الثلاثاء, 13 مايو 2025 11:14 PM

خصخصة الأندية السورية: هل تنجح في إنقاذ الرياضة من أزماتها؟ نماذج مقترحة وعقبات محتملة

خصخصة الأندية السورية: هل تنجح في إنقاذ الرياضة من أزماتها؟ نماذج مقترحة وعقبات محتملة

عنب بلدي – هاني كرزي

باتت خصخصة الأندية الرياضية في سوريا حلمًا يراود الكثيرين، باعتبارها الحل الأمثل لانتشال الأندية من براثن الفقر والجمود والتبعية التي تعرقل تطورها. ومع إنشاء وزارة للرياضة والشباب، تصاعدت المطالبات بجعل خصخصة الأندية على رأس أولويات الوزارة، كخطوة واعدة نحو مستقبل أفضل للرياضة السورية.

تعتبر خصخصة الأندية الرياضية، التي تتضمن إعادة هيكلة إدارتها وتبني نماذج تشغيلية مبتكرة، من أهم الخطوات لتحرير الأندية من الركود المالي والإداري، وتمكينها من المنافسة على المستويين المحلي والدولي.

أربعة أشكال للخصخصة

تتحقق الخصخصة عبر نقل ملكية الأندية أو إدارتها، سواء جزئيًا أو كليًا، من القطاع العام إلى القطاع الخاص. يجب أن تترافق هذه العملية مع تنفيذ برامج متوازية ومتكاملة لتحرير جميع الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة، مثل الدعاية والإعلان والاستثمار والالتزام بعقود اللاعبين وغيرها.

أوضح الصحفي الرياضي أنس عمو لعنب بلدي أن خصخصة الأندية في سوريا يمكن أن تتخذ أشكالًا مختلفة، منها التحول الكامل للأندية السورية إلى القطاع الخاص، أو بقاء بعض الأندية تحت مظلة القطاع العام مع السماح لأندية أخرى بالانتقال إلى القطاع الخاص، كما هو الحال في إسبانيا.

أما النموذج الثالث للخصخصة فيتبع النظام الألماني، حيث يمتلك القطاع الخاص 49% من حصة النادي، بينما يحتفظ القطاع العام بنسبة 51%. هناك نموذج رابع يتمثل في بقاء الأندية جماهيرية تابعة للقطاع العام، ولكن مع وجود شركة راعية تحمل اسم النادي، وفقًا لما ذكره أنس عمو.

إنعاش للقطاع الرياضي

على مدار عقود، اعتمدت الأندية السورية على نماذج إدارية تقليدية مرتبطة بالجهات الحكومية، مما أدى إلى مواجهتها صعوبات في التمويل والإدارة وتنمية المواهب. وفي ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، تزايدت الحاجة الملحة إلى تطبيق أسس الإدارة الاحترافية وإيجاد آليات جديدة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى القطاع الرياضي.

أثبتت تجارب الأندية الخارجية مع الخصخصة نجاحها، بدءًا من اعتماد الشركات الخاصة على إداريين متخصصين للأندية، وإنشاء منشآت رياضية حديثة ومدارس كروية، واستقطاب محترفين أجانب ذوي مستوى جيد، وتوفير رواتب أعلى، مما يحفز التطور.

يرى الصحفي مؤيد كيالي أن خصخصة الأندية ستنقل الرياضة السورية من الهواية إلى الاحتراف الحقيقي، ومن مجرد أداة للمصلحة إلى كيان اقتصادي ورياضي مستقل ماليًا. كما ستساهم في تطوير اللاعب السوري ورفع قيمته السوقية، مما يتيح له اللعب في أندية أفضل، وهو ما سينعكس إيجابًا على المنتخب الوطني ورفع تصنيفه.

أضاف كيالي لعنب بلدي أن خصخصة الأندية قد تجذب رؤوس الأموال من الخارج للاستثمار، مما يعزز المنافسة ويشجع المستثمرين على التعاقد مع مدربين أجانب ذوي كفاءة عالية ولاعبين محترفين متميزين، بدلًا من الموجودين حاليًا في الدوري السوري. كما أن دخول المستثمرين قد يحسن من جودة الملاعب إذا تم الاتفاق بينهم وبين القيادة الرياضية ومنحهم مساحة واسعة للعمل بعيدًا عن التدخلات. وفي الوقت نفسه، ستستفيد الأندية من عائدات حقوق البث الإلكتروني والتلفزيوني، وفقًا لكيالي.

من المزايا الإيجابية للخصخصة أيضًا أنها ستوفر عائدًا ماليًا دائمًا للأندية، بالإضافة إلى تحسين اختيار أعضاء الإدارة، وبالتالي الابتعاد عن المحسوبيات والواسطة في الاختيارات الفنية والإدارية لفرق العمل، وتوفير فرص عمل وتخفيف الأعباء المالية للأندية عن الحكومة.

عقبات متوقعة

قد يواجه تطبيق نموذج الخصخصة عقبات، فالوضع الاقتصادي الحالي في سوريا، مع تداعيات العقوبات الدولية وتدهور قيمة الليرة، يشكل عائقًا رئيسيًا أمام جذب المستثمرين. كما أن البيئة القانونية المتأثرة بالفساد الممنهج الذي خلفه النظام السابق، والذي أنشأ شبكات المحسوبيات داخل الاتحادات الرياضية، قد تتطلب إصلاحات جذرية قبل البدء في هذا المسار الإصلاحي.

أوضح أنس عمو لعنب بلدي أن العقبة الأهم في مسار الاتجاه نحو خصخصة الأندية تكمن في عدم إمكانية الانتقال نحو الخصخصة حاليًا، لعدم وجود سوق بورصة حقيقية في سوريا يمكن على أساسها تحديد قيمة النادي بناءً على سعر الأسهم.

وأشار عمو إلى وجود أندية جماهيرية كبيرة في سوريا، مثل أهلي حلب والكرامة والوحدة، ولا يمكن تحويلها إلى القطاع الخاص، لأن إفلاس الشركة التي تشتري ناديًا جماهيريًا بعد ثلاث سنوات مثلًا سينعكس سلبًا على سمعة النادي وقاعدته الجماهيرية.

وأضاف عمو: "عندما نتحدث عن أندية جماهيرية مرتبطة باسم محافظة أو مدينة، فإن انتقالها نحو القطاع الخاص قد يتسبب في ابتعاد الكثير من الجماهير عن النادي، الذي سيركز على الربح أكثر من الاهتمام بتطوير مستوى النادي ولاعبيه".

تجارب لم تنجح

لا تزال الأندية السورية تعتمد في مواردها على دعم القطاع العام المتفاوت من موسم لآخر، بالإضافة إلى تبرعات رجال الأعمال التي تتيح لهم الحصول على مناصب إدارية.

في السنوات الماضية، أبرمت الأندية السورية عقودًا استثمارية كان من المفترض أن تحقق لها عوائد مالية ضخمة، لكنها انتهت بالفشل أو الفساد.

في عام 2022، أعلن نادي المجد عن مزاد علني لاستثمار محاله التجارية، بعوائد سنوية متواضعة بلغت 12 مليون ليرة سورية فقط لكل محل، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية رواتب عدد قليل من اللاعبين.

وفي عام 2021، وقّع نادي الوحدة عقد رعاية بقيمة مليار ليرة سورية مع إحدى الشركات، لكن نصف المبلغ كان مشروطًا بتحقيق بطولات، مما جعله غير مستدام وأدى إلى أزمة مالية لاحقة.

ذكرت صحيفة "الثورة" السورية، نقلًا عن شهادات من داخل الأندية، أن بعض العقود الاستثمارية وُقعت لمصلحة شخصيات نافذة داخل المنظومة الرياضية، بحيث تدار الاستثمارات بأسماء أقاربهم، مما يعني أن العوائد لا تعود للنادي، بل تذهب إلى جيوب أفراد محددين.

وأضافت الصحيفة أن بعض العقود أبرمت بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، لأن المستثمرين الفعليين هم مسؤولون داخل الأندية، ولكن بأسماء مختلفة، وبالتالي هذه الاستثمارات لم تكن أبدًا لمصلحة تطوير الرياضة، بل لخدمة مصالح شخصية.

مشاركة المقال: