تهدف خطة العمل الأميركية الجديدة للذكاء الاصطناعي، كما ورد في وثائق البيت الأبيض، إلى تعزيز الهيمنة الأميركية في هذا المجال من خلال ثلاث ركائز أساسية. يوضح احمد نظيف أن الركيزة الأولى هي تسريع الابتكار في الذكاء الاصطناعي عبر تشجيع القطاع الخاص بتقليل البيروقراطية، ودعم النماذج مفتوحة المصدر، وتمكين تبني الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية كالرعاية الصحية والتصنيع.
أما الركيزة الثانية، فهي بناء البنية التحتية الأميركية للذكاء الاصطناعي بتطوير مراكز البيانات وشبكات الطاقة، وتصنيع أشباه الموصلات، مع ضمان الأمن السيبراني. وأخيراً، تهدف الخطة إلى الهيمنة على القيادة في الدبلوماسية والأمن الدولي للذكاء الاصطناعي، بتصدير التكنولوجيا الأميركية إلى الحلفاء، ومواجهة النفوذ الصيني، وتعزيز ضوابط التصدير.
ويبدو أن الخطة تعطي الأولوية للسرعة والنطاق وهيمنة القطاع الصناعي، وتعيد صياغة الذكاء الاصطناعي كأولوية وطنية أشبه بسباق تنافسي. وتعتبر تحولاً جذرياً عن سياسات جو بايدن، إذ تحرر القيود التنظيمية كلياً، ولا تهتم بالتأثيرات المناخية والأخلاقية، وهو ما يتماشى مع نزعات ترامب الشعبوية.
على المستوى الجيوسياسي، تمثل الخطة هجوماً مضاداً للتقدم الصيني الكبير على الجبهة التكنولوجية في السنوات الأخيرة. يشدد ترامب الحصار على بكين من خلال تشديد ضوابط التصدير على الرقائق المتقدمة والبرمجيات ونماذج الذكاء الاصطناعي، مع تعزيز أدوات تحديد الموقع الجغرافي لمنع التحويلات غير المباشرة إلى الصين.
كما تتضمن الخطة تسليح "دبلوماسية الذكاء الاصطناعي" عبر مبادرة أميركية لتصدير حزم الذكاء الاصطناعي الكاملة إلى الحلفاء، والتي تغطي الرقائق والنماذج والبنية الأساسية والبرمجيات، في تحدٍ صريح للمبادرات التي تقودها الصين مثل طريق الحرير الرقمي وممرات الحزام والطريق التكنولوجية التي تركز على الذكاء الاصطناعي. وتسعى أيضاً إلى تسريع إصدار التصاريح لإنشاء مراكز البيانات ومصانع الرقائق الإلكترونية، بهدف نقل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي إلى الداخل وتقليل الاعتماد على تايوان وكوريا الجنوبية.
يهدد ترامب بفرض عقوبات على الشركات التي تتعاون مع شركات الذكاء الاصطناعي المرتبطة بالصين، مما يزيد من وتيرة فصل سلسلة توريد الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين، ويضغط على حلفاء مثل ألمانيا واليابان وسنغافورة لاتخاذ موقف في محاذاة التكنولوجيا.
بشكل عام، تحول خطة ترامب الذكاء الاصطناعي من مسألة تقنية إلى عقيدة جيوسياسية، مع تحديد الصين كعدو رئيسي وليس مجرد منافس، من خلال زيادة مستويات الانفصال الاقتصادي والعودة إلى سياسات ما قبل العولمة، وعسكرة المعرفة. من المتوقع أن ترد الصين باستراتيجية متعددة الجوانب تركز على تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي محليًا، ومواجهة الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي التي تقودها الولايات المتحدة، وتخفيف آثار تشديد ضوابط التصدير. ويشمل ذلك زيادة تمويل برامج البحث والابتكار، والترويج للنموذج الصيني من خلال مجموعة البريكس ومنتديات الأمم المتحدة، والمضي في سياسة عسكرة الذكاء، بينما قد ترد على شركات التكنولوجيا الأميركية من خلال إجراءات تنظيمية وسيبرانية. وفي الوقت نفسه، ستوسع نطاق طريق الحرير الرقمي لتصدير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي إلى دول الجنوب، من خلال إعادة إنتاج سرد إعلامي وسياسي يصور الولايات المتحدة على أنها منخرطة في الإمبريالية الرقمية.
بعد نصف عام في البيت الأبيض، كشف ترامب عن خطته للذكاء الاصطناعي في خطاب حضره عدد من صقور الإقطاع التكنولوجي في وادي السيلكون، والذين ما زالوا يدعمون ترامب بقوة رغم القطيعة الغامضة مع إيلون ماسك قبل أسابيع.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار