الخميس, 25 سبتمبر 2025 11:55 PM

دير الزور: بعد 13 عامًا.. ذكرى مجزرة الجورة والقصور تلاحق جرائم النظام

دير الزور: بعد 13 عامًا.. ذكرى مجزرة الجورة والقصور تلاحق جرائم النظام

دير الزور-سانا: تستحضر الذاكرة السورية اليوم فظاعة المجزرة التي ارتكبها النظام البائد في حيي الجورة والقصور بمحافظة دير الزور، والتي وقعت في 25 أيلول عام 2012. خلّفت المجزرة مئات الشهداء والجرحى، وشهدت أحداثًا دامية لا تزال محفورة في ذاكرة كل من عاصرها وشهد عليها.

في الساعات الأولى من صباح ذلك اليوم، اقتحمت قوات النظام المجرم، بما في ذلك عناصر اللواء 105 من الحرس الجمهوري، حيي الجورة والقصور من ثلاثة محاور بعد قصف مدفعي ودبابات عنيف. انتشرت الآليات العسكرية في الشوارع، مصحوبة بسيارات بيك آب تقل عشرات العناصر، بعضهم يحملون السيوف، وفقًا لشهادات الناجين.

شهادات من قلب المجزرة.. حي الجورة

تقول سمية الخلف، من سكان حي الجورة: "الساعة التاسعة صباحًا كانت لحظة فقدان كل شيء". ففي هذه الساعة قبل 12 عامًا، فقدت أخاها وابنه وزوج ابنة أخيها، بالإضافة إلى شابين من أبناء الجيران. وتضيف: "لم تجف دموعي منذ ذلك اليوم، لكن انتصار الثورة السورية أثلج صدورنا، لأنه انتصار للحق ووفاء لدماء الشهداء".

وتتابع: "كان ابن أخي أحمد، البالغ من العمر 17 عامًا، يجلس مع صديقه ياسين أمام منزل الأخير قرب جامع قباء في حي الجورة، فاستهدفهما قناص تابع لقوات النظام وقتلهما. وعندما خرج أخي وزوج ابنته في السيارة لإسعافهما، أطلقوا النار على السيارة بعد أن ابتعدت مسافة قصيرة، ولم نعرف مصيرهم حتى الخامسة مساءً، حين هدأ الاقتحام قليلاً، وتبيّن أن كل من كان داخل السيارة قد ارتقى إلى جانب العشرات، وتم نقلهم إلى مشفى ميداني قريب من حي الجورة".

وتتذكر سمية الظروف التي قتل فيها بعض ضحايا المجزرة، ومنهم الدكتور حيدر الفندي، الذي خرج بحثًا عن جهاز أوكسجين لوالده المصاب بالربو، فاستهدفه قناص النظام. كما تم إعدام ثلاثة شباب حرقًا داخل فرن بحي الجورة، بحجة أنهم استمروا في العمل لتلبية احتياجات أهالي الحي.

وأشارت إلى أن عائلات قتلت داخل منازلها عندما بدأت قوات الأسد المجرم بتفتيش الحي، منهم عائلة صليبي التي قتل تسعة من أفرادها بينهم أطفال ونساء بوحشية لم تكن غريبة على قوات نظام أجرم بحق شعبه على مدى عقود.

وفي شهادة أخرى من حي الجورة، يقول صالح الصالح: "اقتحمت قوات النظام البائد الحي ومنعت خروج أي أحد من المنازل، كانت قوة ضخمة وكأنها تقتحم جبهة حرب وليس حياً صغيراً يسكنه مدنيون، وكانت تقوم بقتل كل من يخرج من المنزل، وبتفتيش الأبنية السكنية، وعندما وصلوا إلى منزلي بحارة جامع التوبة أخرجونا أنا وأخي ووالدي".

ويضيف: "أبعدونا عن البيت وفتشونا بدقة، وخلال ذلك كنت أسمع بعض الجنود يتهامسون فيما بينهم بكلمة "صَفّيه" أي اقتلوه، لكن بعد ساعتين أطلقوا سراحي بوساطة أحد الجيران الذين كانوا مقربين منهم. سرقوا البيوت والمحلات وأعدموا عدداً كبيراً من الشباب".

ويستذكر الصالح: "قُتل شاب لمجرد أنه اعترض على جندي شتمه بألفاظ بذيئة، فكان الرد عليه بالرصاص، بدا وكأن الجنود فقدوا أي حسّ بالإنسانية، أشبه بوحوش بلا ضمير أو أشخاص تحت تأثير مواد مخدرة". مضيفاً: "التحرك بين الحارات كان مستحيلاً بسبب القناصين المنتشرين في كل مكان، هكذا مرّ ذلك اليوم الأسود، رعب وموت يقترب من كل بيت".

مشاهد لا تنسى … حي القصور

يروي المهندس أحمد أيدك، أحد شهود الذين عايشوا مجزرة حي القصور في مدينة دير الزور، تفاصيل مريرة، موضحاً أنها "كانت حملة عسكرية بدأتها قوات النظام البائد بحي الجورة تابعتها عدة أيام بحي القصور واصلت فيها عمليات القتل والتفتيش، حيث كانوا يقتلون الشباب داخل المنازل، ويعتدون على المسنين والنساء بعد سرقة الأموال والمجوهرات، الجميع كان مستهدفاً".

ويضيف أيدك: "شاركت في دفن عدد كبير من جثث الشهداء الذين قتلوا بمختلف أنواع الأسلحة، كانت القوات تستهدف الأهالي حتى غروب الشمس، ثم تعود إلى ثكناتها، مما أتاح لنا "نحن من نجونا بأعجوبة"، فرصة الخروج من المنازل وتفقد الجيران ودفن الشهداء، دفنا أربع جثث في قبر واحد، وامتلأت حديقتا المعلمين وبئر معجون بالقبور، كنا ندفنهم على ضوء القداحات كي لا نثير الأنظار".

ويستذكر أيدك مشهداً لا يغيب عن ذاكرته قائلاً: "في الأيام التالية للحملة، شاهدت أنا وآلاف من أبناء المدينة سيارة كيا تابعة لقوات النظام المجرم تقف أمام مبنى رئاسة جامعة الفرات، محملة بأكثر من 25 جثة مقطعة لأشلاء، تم إعدامهم باستخدام رشاشات ثقيلة، وبقيت السيارة في مكانها لعدة أيام دون أن يُسمح لأحد بالاقتراب".

يصف المحامي يونس جدعان الذي غادر منزله بحي الرشدية في حزيران 2012 بعد اقتحام قوات النظام له، إلى حي القصور وعايش وقائع المجزرة التي حدثت به في أيلول من العام نفسه، مؤكداً أنها جريمة ضد الإنسانية ويحاسب عليها القانون الدولي لأن الجيش الوطني مهمته حماية المدنيين وليس قتلهم والتنكيل بهم، كانوا قوات نظام مجرم قتل شعبه، مضيفاً: "كان الخروج من المنزل يعني الموت. صمت الرصاص كان فرصةً للخروج"، يقول جدعان للتعرف على جثث الشهداء الذين تمت تصفيتهم على شكل مجموعات في الشوارع أو في بيوتهم، منهم أبومكرم رجل تجاوز ال70 من عمره والعدد الأكبر كانوا من الشباب ، منهم سامر خرابة وزميل بقجه جي ورائد خريط ووالده والقليل نجى بأعجوبة.

السير على فوارغ الرصاص..

تقول سناء عبد الجبار واصفةً رحلة الخروج من حي القصور بعد يوم من المجزرة: "لم نكن نسير على الأرض بل على فوارغ الرصاص"، مستذكرةً أنها وقعت صبيحة يوم الثلاثاء حين كان الأهالي يخرجون إلى أشغالهم، مبينةً أن صوت القذائف والرصاص كان أمراً معتاداً منذ بداية الثورة السورية لكن هذا اليوم الذي عرف لاحقاً ب “أيلول الأسود” كان مختلفاً، حيث بدأت القذائف تتساقط على الحي، تلاها اقتحام بري بعد قطع الاتصالات عن كامل المحافظة.

وتضيف: "انتشر القناصة داخل حديقة "بئر معجون" القريبة من منزلي، وكانوا يستهدفون أي حركة في الشوارع أو حتى مداخل الأبنية، ومع حلول المساء، خرج الأهالي بحثاً عن أبنائهم، ليجدوا الجثث تملأ الحارات، والدماء تغطي المكان، فيما هناك العشرات لم يعرف مصيرهم بعد، اختفوا بعد المجزرة ولا معلومات عنهم".

وتبين سناء أن قوات الإجرام لم تكن مسلحة بالرصاص فقط بل بالسيوف أيضاً، وأنها بعد المجزرة التي ارتكبتها في حي القصور بدأت الدخول إلى أحياء أخرى في المدينة متخذةً عدداً من الشباب كدروع بشرية، وقالت: "خرجت مع عائلتي في اليوم التالي خوفًا ورعباً، وانتقلنا من القصور إلى حي الرشدية ثم الجبيلة سيراً على الأقدام، ثم بدأنا رحلة النزوح إلى محافظة الحسكة".

لم تكن المجزرة حدثاً عابراً، بل جريمة موثقة في سجل النظام البائد الحافل بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ارتُكبت بحق مدنيين عزّل، قُتلوا بطرق وحشية، تراوحت بين الإعدام الميداني، والذبح، والحرق داخل الأفران، فيما لا يزال مصير العشرات مجهولاً، وتأتي ذكراها الثالثة عشرة اليوم لتُسلّط الضوء على جريمة لا يزال جرحها ينزف في الذاكرة وفي قلب كل ضمير حي.

مشاركة المقال: