الأحد, 12 أكتوبر 2025 11:56 PM

دير الزور: "حراقات" تكرير النفط تهدد حياة السكان وتنشر الأمراض

دير الزور: "حراقات" تكرير النفط تهدد حياة السكان وتنشر الأمراض

دير الزور – عبادة الشيخ: يعيش سكان ريف دير الزور الشرقي في سوريا صراعًا يوميًا مع "الحراقات البدائية" لتكرير النفط الخام، التي تستمر في نشر السموم منذ سنوات. فمنذ خروج آبار النفط عن سيطرة النظام السوري السابق في عام 2012، انتشرت ممارسات عشوائية في تكرير النفط، وتحولت اليوم إلى كارثة بيئية وصحية متفاقمة تهدد حياة آلاف المدنيين بالأمراض السامة، مما يجعل المنطقة في حالة طوارئ بيئية وإنسانية دائمة.

ويعاني سكان ريف دير الزور الغربي من أضرار صحية وبيئية جسيمة نتيجة لانتشار "الحراقات البدائية" الخاصة بتكرير النفط الخام، وفقًا لما ذكره أهالي المنطقة لعنب بلدي. تبعث هذه "الحراقات" دخانًا كثيفًا يملأ الأجواء ويصل إلى المنازل، مما تسبب في أمراض خطيرة مثل السرطانات والتهابات الكبد والجهاز التنفسي، بالإضافة إلى معاناة الأطفال وكبار السن من ضيق التنفس والسعال المزمن.

يبحث الأهالي عن حلول للحد من انتشار هذه "الحراقات" أو تنظيم عملها لتقليل مخاطرها. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وشح الوقود، تستمر هذه "الحراقات" في الانتشار بعيدًا عن أي معايير هندسية أو بيئية، معتمدة على حرق النفط الخام في حفر وأحواض بدائية. تتكون كل "حراقة" من خزان معدني أسطواني الشكل يشبه البرميل، وتختلف أحجامها وفقًا لسعتها، ولكن أصغرها يتسع لـ 50 برميلًا، بحسب حديث سابق لمحمد الشيخ، وهو عامل في إحدى هذه "الحراقات".

تستخدم "الحراقات" مخلفات النفط، المعروفة بـ "الجير"، وقد تكون مرتبطة بآبار النفط المنتشرة في المنطقة، وتحوي بجانبها دائمًا بركة ماء تتسع لـ 100 برميل لكل "حراقة"، تُستخدم لتبريد الإنتاج قبل فرزه في الخزانات.

بعيدة عن الرقابة

أكد عامر السعيد، من أبناء بلدة الصعوة بريف دير الزور الغربي، أن غياب الإجراءات الوقائية وأنظمة التصفية لـ "الحراقات" جعلها "قنبلة موقوتة" تنفث مواد بتروكيماوية خطيرة في الهواء. فالخطر الأكبر يكمن في الأضرار الصحية التي لم تعد تقتصر على مجرد "انزعاج" من الرائحة، بل أصبحت سببًا مباشرًا لتفشي أمراض خطيرة ومزمنة.

وأشارت سمر الزاهد، ممرضة بأحد مستشفيات ريف دير الزور الغربي، لعنب بلدي، إلى ارتفاع في حالات ضيق التنفس والسعال المزمن والتهابات الجهاز التنفسي الحادة، خاصة بين الأطفال وكبار السن، بسبب الغازات المنبعثة التي تهاجم الرئتين باستمرار وتضعف مقاومة الجسم. وبحسب شهادات الأهالي، لوحظ تسجيل حالات جديدة لمرض السرطان والتهابات الكبد، ويعتبر كثير منهم هذا التزايد مرتبطًا بشكل وثيق بالتعرض المطول للمركبات المسرطنة في عوادم "الحراقات".

وبحسب الطبيب جمال الخيل، لا تقتصر الأمراض على المحيط المباشر لـ "الحراقات"، بل تنتقل عبر الرياح إلى القرى المجاورة، مما يزيد الضغط على المرافق الصحية المتهالكة أصلًا.

تمتد إلى الزراعة

أفاد المهندس الزراعي مؤمن العساف بوجود أضرار كبيرة بسبب تلك "الحراقات" على الأراضي الزراعية، لأنها تشكل تهديدًا للاستدامة المعيشية في منطقة تعتمد على الزراعة والمياه، وتسببت في تراجع الإنتاج في السنوات الأخيرة لجميع المزروعات.

إنتاج النفط شرقي سوريا

تفصح "الإدارة الذاتية"، الجناح الحوكمي لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، عن إنتاج قرابة 150 ألف برميل من النفط يوميًا، بحسب تصريحات نقلتها صحيفة "الشرق الأوسط" في آب 2023 عن نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لـ "الإدارة"، حسن كوجر. وأشار حينها إلى أن "الإدارة" تستثمر أقل من نصف الآبار والحقول النفطية في مناطق سيطرتها. وتقع معظم منابع النفط في مناطق سيطرة "قسد" شمال شرقي سوريا.

ووفق تقديرات سابقة قدمها الباحث المساعد في مركز "عمران للدراسات"، مناف قومان، لعنب بلدي، بناءً على معلومات جمعها خلال الإعداد لدراسة حول اقتصاد "الإدارة الذاتية"، فإن "الإدارة" تنتج من الآبار النفطية في محافظة دير الزور وحدها 48500 برميل يوميًا، من أصل 80 إلى 120 ألف برميل (مجمل إنتاجها اليوم). وتوزع "قسد" جزءًا من هذا الإنتاج على "حراقات" النفط للاستهلاك المحلي، وهو القسم الأصغر من الإنتاج، إضافة إلى جزء تصدره نحو كردستان العراق لبيعه، وآخر يباع في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة (قبل سقوط النظام) شمال غربي سوريا.

مشاركة المقال: