الأحد, 21 سبتمبر 2025 01:59 AM

ذاكرة القلب: كيف استلهم الرئيس الشرع الشعر والقرآن في خطابه السياسي؟

ذاكرة القلب: كيف استلهم الرئيس الشرع الشعر والقرآن في خطابه السياسي؟

في عالم السياسة، لا تقتصر قوة القائد على قدرته على إدارة الأزمات، بل تتعداها إلى استلهام المعاني العميقة من التراث والوجدان الجمعي للأمة. وقد تجلى ذلك بوضوح في خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع خلال القمة العربية الإسلامية التي عُقدت مؤخرًا في قطر، حين استشهد ببيت للشاعر العربي عمرو بن براقة الهمداني:

مَتى تَجمَعِ القَلبَ الذَكِيَّ وَصارِماً وَأنفاً أَبِيّاً تَجتَنِبكَ المَظالِمُ

هذا البيت البليغ يلخص جوهر الانتصار في مواجهة التحديات، مؤكدًا أن اجتماع ثلاثة عناصر أساسية – القلب الذكي، والسيف الصارم رمز القوة، والأنف الأبي رمز الكبرياء وعزة النفس – هو مفتاح تحقيق النصر والكرامة.

القلب: أبعد من كونه مجرد مضخة

إن تقديم الشاعر للقلب على السيف والأنف يدعو إلى التأمل. فكأن الشاعر يقول إن الذكاء العاطفي، والبصيرة الداخلية، وذاكرة القلب، هي التي تحدد مسار القوة والكرامة. فالقلب ليس مجرد عضو فسيولوجي يضخ الدم، بل هو وعاء للإدراك والمعرفة والشعور. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46]. فالآية الكريمة تؤكد أن العقل ليس حكرًا على الدماغ، بل أن القلب ذاته أداة للفهم والتدبر، وأن له ذاكرة خاصة تتجاوز المنطق البارد لتصل إلى عمق التجربة الإنسانية.

السياسة وبصيرة القلب

إن استشهاد الرئيس الشرع بهذا البيت الشعري يبعث برسالة مزدوجة: الأولى، أن القيادة ليست مجرد حسابات للقوة العسكرية، بل هي أيضًا بناء على الوعي والوجدان، وعلى إدراك ما تختزنه ذاكرة الأمة من آلام وآمال وتجارب. والثانية، أن النهضة السياسية تحتاج إلى بوصلة قلبية تحميها من الوقوع في المظالم أو الارتهان إلى القوة المجردة دون قيم. ففي عالم تتصارع فيه المصالح الدولية، يصبح من السهل أن تنجرف الدول وراء لغة القوة وحدها. لكن استحضار القلب – بما يحمله من قيم – يذكر الجميع بأن السياسة بلا أخلاق تؤدي إلى الخراب.

الشعر والهوية الثقافية

إن ما قام به الرئيس الشرع ليس مجرد استشهاد عابر، بل هو استدعاء لذاكرة ثقافية متجذرة. فالشعر العربي ظل قرونًا طويلة ديوان العرب وحافظ حكمتهم وتجاربهم. والبيت الذي ألقاه عمرو بن براقة ليس مجرد نص أدبي، بل هو خلاصة تجربة أمة عرفت أن الانتصار لا يقوم على السيوف فقط، بل على اتحاد الذكاء القلبي مع القوة والعزة. وهنا تتجلى عظمة التراث العربي حين يوظف في الخطاب السياسي المعاصر، لأنه يربط بين الماضي والحاضر، ويشعر المتلقي أن ما نواجهه اليوم ليس غريبًا عن سيرتنا التاريخية.

القلب كذاكرة حية

العلم الحديث بدأ يثبت شيئًا لطالما أشار إليه القرآن والوجدان: أن القلب يمتلك شبكة عصبية خاصة، وأنه يتفاعل مع المشاعر والذكريات بشكل مباشر. ولهذا فإن ذاكرة القلب ليست تعبيرًا شعريًا فحسب، بل حقيقة بيولوجية وروحية معًا. ذاكرة القلب تحفظ الصدمات كما تحفظ الأفراح، وتوجه الإنسان نحو خياراته المصيرية. لذلك كان القلب الذكي – كما وصفه الشاعر – أساس النصر، لأنه يختزن التجربة ويمنح صاحبه البصيرة لتمييز الطريق الصحيح من الزائف.

خاتمة

حين نربط بين بيت عمرو بن براقة، والآية القرآنية الكريمة، واستشهاد الرئيس الشرع بهما في محفل سياسي، ندرك أن الرسالة أعمق من مجرد زينة بلاغية. إنها دعوة لإعادة الاعتبار إلى القلب كأداة وعي وذاكرة، وإلى أن السياسة والأمة لا تنتصران إلا إذا جمعت بين:

  1. القلب الذكي: الوعي والبصيرة والذاكرة الحية.
  2. السيف الصارم: القوة والقدرة على الدفاع.
  3. وثالثها أنفاً أبياً: الكرامة ورفض المذلة.

إنها ثلاثية النصر التي لا يبلى أثرها بمرور الزمن، لأنها صادرة عن فطرة الإنسان وتجربة الأمم. ولعل استحضارها اليوم يفتح لنا بابًا للتفكير: كيف نبني مستقبلنا بذاكرة قلب تحفظ القيم، وبقوة تحمي السيادة، وبعزة ترفض الانكسار.

مشاركة المقال: