أعربت وزارة الخارجية الروسية، اليوم، عن إدانتها الشديدة للغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت الأراضي السورية، مؤكدةً أن هذه الاعتداءات تمثل انتهاكًا صارخًا لسيادة سوريا وخرقًا للقانون الدولي. وجاء في بيان الوزارة أن "موجة العنف الجديدة في سوريا تثير قلقًا بالغًا".
وأكد الجانب الروسي في بيانه إدانته المتكررة لما وصفه بـ "استخدام إسرائيل التعسفي للقوة في سوريا"، مشددًا على ضرورة التنديد بهذه الهجمات التي تمثل انتهاكًا صارخًا لسيادة البلاد والقانون الدولي. وأضاف البيان أن الحل يكمن في الحوار وتعزيز الوحدة الوطنية.
وفي سياق متصل، وصف فاسيلي نيبينزيا، المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية بأنها "غير مقبولة"، وذلك في تصريحات أدلى بها للصحفيين قبل انعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة القصف الإسرائيلي على سوريا.
من جهة أخرى، علّق دميتري مدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، على هذه الضربات التي تستهدف نظامًا تدعمه الدول الغربية، داعيًا إلى مراجعة تعريف "الإرهاب". وتساءل مدفيديف عما إذا كان النظام السوري الحالي جيدًا أم إرهابيًا، مشيرًا إلى أن الغرب، بقيادة واشنطن، اعتبره جيدًا ورفع العقوبات عنه.
وأضاف مدفيديف أن إسرائيل قصفت مقر هيئة الأركان العامة والقصر الرئاسي في دمشق، ووصفت الحكومة السورية بالإرهابية ردًا على عملياتها ضد الدروز، متسائلاً عن من هو الإرهابي الحقيقي في هذه الحالة.
وشهدت محافظة السويداء السورية، ذات الغالبية الدرزية، تصاعدًا غير مسبوق في العنف خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تحولت المدينة إلى ساحة لمواجهات دامية بين القوات الحكومية السورية والمجموعات المسلحة المحلية، مع تدخل عسكري إسرائيلي مباشر زاد من تعقيد المشهد. وجاءت هذه الأحداث في سياق توترات متراكمة منذ أشهر، وتسببت في سقوط مئات الضحايا بين قتلى وجرحى.
اندلعت الاشتباكات الأولى بعد حادثة سلب تلاها عمليات خطف متبادلة بين مجموعات درزية وعشائر بدوية في المنطقة، ما أسفر عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى. ثم بدأت القوات الحكومية بالتقدم إلى المحافظة لفرض الأمن، وتخلل ذلك عمليات خطف وسلب وقتل، حيث أفادت تقارير عن عمليات "إعدام ميدانية" طالت 12 مدنيًا درزيًا، بالإضافة إلى تدمير ممتلكات. ما دفع المجموعات المسلحة المحلية للاشتباك مع هذه القوات، بينما أعلنت الرئاسة الروحية للدروز رفضها دخول هذه القوات وطالبت بحماية دولية.
تدخلت إسرائيل في خط المواجهة بحجة حماية الدروز ونفذت طائراتها غارات على مواقع للقوات الحكومية في السويداء. وتلتها غارات أخرى على مقر هيئة الأركان في وسط دمشق، ومحيط القصر الرئاسي، وأعلنت وزارة الصحة السورية مقتل شخص وإصابة 18 آخرين.
في الأثناء، طالب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الحكومة السورية بـ"ترك" دروز السويداء وشأنهم وسحب قواتها من المدينة. وحذّر من أن "إسرائيل لن تتخلى عن الدروز في سوريا، وستُنفّذ سياسة نزع السلاح التي قررناها" في جنوب البلاد، قبل أن يهدد الحكومة السورية بـ"ضربات موجعة".
في ساعات الصباح الأولى، سحبت السلطات السورية قواتها بالكامل من محافظة السويداء، بالتزامن مع إعلان الرئيس أحمد الشرع تكليف فصائل درزية مسؤولية الأمن وتنديده بالتدخل الإسرائيلي.
وفي كلمة ألقاها فجر اليوم، اتهم الرئيس السوري أحمد الشرع، إسرائيل بـ"خلق الفتن داخل سوريا"، مضيفاً أنها "تسببت في تصعيد الوضع (في محافظة السويداء) بتصرفاتها". وخاطب الشرع المواطنين الدروز قائلاً: "نرفض أي مسعى يهدف لجركم إلى طرف خارجي أو إحداث انقسام داخل صفوفنا". وأضاف: "أصبحنا أمام خيارين إما مواجهة إسرائيل أو إصلاح جبهتنا الداخلية"، مُشيراً "لسنا ممن يخشون الحرب، ونحن الذين قضينا أعمارنا في مواجهة التحديات والدفاع عن شعبنا، لكننا قدمنا مصلحة السوريين على الفوضى والدمار"، معلناً "تكليف الفصائل المحلية وشيوخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن بالسويداء".
ووفق الخبراء في الشأن السوري، فإن موجة العنف هذه تؤكد من جديد على دور غربي واضح في تأزيم الوضع في سوريا وإعادتها الى دائرة الصراع عبر خلق الفتن الطائفية وتعزيز الانقسام المجتمعي. وإسرائيل بدورها ورغم طلب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منها التوقف عن مهاجمة قوات الجيش السوري في جنوب البلاد، واصلت قصفها التعسفي لسوريا.
ويُشير الخبراء الى أن تقارير إسرائيلية أفادت بأن الهجمات الإسرائيلية على سوريا تجري بالتنسيق مع الجانب الأمريكي. مما يدعو للتساؤل عن حقيقة الدور الأمريكي في المنطقة وازدواجيته في التعامل مع أزماتها. فعلى الرغم من التحسن الظاهري الذي طرأ في العلاقات الأمريكية – السورية بعد سقوط نظام الأسد، لا تزال أحداث اليومين الماضيين تُثير القلق من الأهداف الغير معلنة في سوريا، وربما إحداها يكمن في جرّ الأخيرة الى حرب إقليمية هي في غنًى عنها.
حيث سبق وأن حدثت مشاكل مشابهة في جرمانا وأشرفية صحنايا أواخر أبريل/نيسان الماضي، وعندها شنت طائرات إسرائيل غارات على مواقع في دمشق وريفها تحت ذريعة منع هجمات ضد الطائفة الدرزية. وبنظر الخبراء، فإن تكرار هذه الأحداث يمثل خطوة في مشروع إسرائيلي خبيث في سوريا، والهدف الحقيقي ليس حماية الدروز كما يُقال، بل توظيفهم كأداة للتقسيم ومن ثم احتلال سوريا. فلطالما نظرت إسرائيل إلى السويداء كمنطقة نفوذ محتملة بسبب قربها من الحدود ووجود الطائفة الدرزية.
ويدعم الخبراء الخط السياسي الذي رسمه الرئيس السوري منذ أشهر والمتمثل في تعزيز أركان الدولة وبناء العلاقات الجيدة مع جميع الدول الإقليمية والأجنبية المهتمة بالشأن السوري على أسس المصلحة الوطنية. فبالإضافة الى الدول العربية الحاضنة الأساسية لسوريا، هناك تركيا التي تربطها بحكومته علاقات وطيدة وشراكة استراتيجية، كما روسيا التي بذلت جهوداً حثيثة لإعادة تشكيل تحالفها مع سوريا وأظهرت مرونة في تعاملها مع الإدارة الجديدة. فقد سبق وأن أكد الشرع، على الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وسوريا، في مقابلة مسبقة له.