انضمت سوريا إلى منظمة "حظر الأسلحة الكيماوية" في أيلول 2013، بضغط من روسيا والولايات المتحدة على رئيس النظام السوري السابق، بشار الأسد، بعد استخدام أسلحة كيماوية في هجوم على غوطة دمشق أودى بحياة 1144 شخصًا، بينهم 1119 مدنيًا و25 مقاتلاً من المعارضة، وفقًا لعنب بلدي.
وعلى الرغم من انضمام سوريا إلى المنظمة، وثقت بعثة تقصي الحقائق التابعة لها 74 حالة استخدام محتمل للأسلحة الكيماوية في عام 2014، أي بعد عام واحد فقط من الانضمام. وذكرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن النظام السوري السابق شن ما لا يقل عن 222 هجومًا كيماويًا في سوريا بين عامي 2012 و2021.
انفتاح سوري
بعد سقوط النظام السوري، التقى المدير التنفيذي لمنظمة "حظر الأسلحة الكيماوية"، فرناندو أرياس، في 8 شباط الماضي، بوفد فني رفيع المستوى، ووزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، والرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في دمشق. وصرحت المنظمة بأن الاجتماعات كانت مثمرة ومفتوحة، وشهدت تبادلًا معمقًا للمعلومات، ما يمهد الطريق لنتائج ملموسة وإنهاء الجمود المستمر منذ أكثر من 11 عامًا.
وفي 9 تشرين الأول الحالي، رحبت الخارجية السورية بقرار "التدمير المسرّع لأي بقايا للأسلحة الكيماوية في الجمهورية العربية السورية"، والذي نص على تعديل اسم البرنامج الكيماوي في سوريا ليصبح: "إزالة أي بقايا لبرنامج الأسلحة الكيماوية لحقبة الأسد".
ووصف الناشط الحقوقي ثائر حجازي، المؤسس المشارك في "الشبكة المدنية للحقوق والتنمية"، هذه الخطوة بأنها تعكس عدم ارتباط الدولة الجديدة في سوريا بتركة نظام الأسد السابق، معتبرًا ذلك أمرًا رمزيًا وإيجابيًا للتخلص من هذه التركة.
ويطلب القرار من فرق التفتيش التابعة للمنظمة الاستمرار في التحقيق وجمع الأدلة المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيماوية، بهدف دعم المسارات الوطنية للمساءلة، على عكس ما كان يحدث سابقًا من اقتصار مشاركة نتائج التحقيقات على أجهزة الأمم المتحدة.
وفي حزيران الماضي، نشرت المنظمة أول فريق من مكتب المهمات الخاصة (OSM) في سوريا، بهدف زيارة المواقع المعلنة أو المشتبه بها بأنشطة متعلقة بالأسلحة الكيماوية، وجمع الأدلة والوثائق، وأخذ عينات لتحليلها في مختبرات مخصصة.
إلا أن الهجوم الإسرائيلي على مبنى هيئة الأركان بدمشق في 16 تموز الماضي، منع نشر فريق ثانٍ يتبع للأمانة العامة لمنظمة "حظر الأسلحة الكيماوية". وتخطط الأمانة العامة حاليًا لعمليات التفتيش المقبلة في منشآت برزة وجمرايا، التابعة لـ"هيئة البحوث العلمية والتكنولوجية".
خطوة إيجابية لرفع العقوبات
في 26 نيسان الماضي، أرسل وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، رسالة إلى الولايات المتحدة، ردًا على قائمة شروط أمريكية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، مؤكدًا أن سوريا طبقت معظمها، بما في ذلك تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيماوية السورية، بحسب "رويترز".
وتضمنت الوثيقة تفاصيل عن إجراءات سوريا للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيماوية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وفي 5 آذار الماضي، أكد وزير الخارجية السوري في الدورة "108" للمجلس التنفيذي للمنظمة التزام الحكومة السورية بتفكيك أي بقايا من برنامج الأسلحة الكيماوية الذي تم تطويره في عهد النظام السابق، وضمان تحقيق العدالة للضحايا، ووضع معايير دولية لمنع تكرار استخدام الأسلحة الكيماوية.
وأوضح فيتوريو ماريسكا دي سيراكابريولا، المحلل الرئيس للعقوبات في مركز "كرم شعار للاستشارات"، أن "قانون الرقابة على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وإلغاء الحرب بها" لعام 1991، قيّد المساعدات الخارجية، والائتمان الممنوح من الحكومة الأمريكية، وصادرات السلع والتكنولوجيا الحساسة للأمن القومي، بالإضافة إلى القروض التي تقدمها البنوك الأمريكية للحكومة السورية. وقد تم رفع هذه القيود من قبل الرئيس ترامب استنادًا إلى تغيير جوهري في سياسة الحكومة وقيادتها، ما يشجع على التغييرات في سلوك الحكومة السورية فيما يتعلق بمعايير عدم انتشار الأسلحة الكيماوية.
من شروط رفع "قيصر"
أشار دي سيراكابريولا إلى أن بعض العقوبات المفروضة على سوريا تذكر الأسلحة الكيماوية كشرط لتعليقها، مع التمييز بين الإشارة إلى الأسلحة الكيماوية بشكل عام، والإشارة إلى تدميرها. فعلى سبيل المثال، الشرط رقم "1" لتعليق العقوبات بموجب قانون "قيصر" ينص على عدم استخدام المجال الجوي السوري من قبل حكومة سوريا أو الحكومة الروسية لاستهداف المدنيين باستخدام الأسلحة الحارقة، بما في ذلك البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والأسلحة التقليدية.
أما الشرط رقم "5" بموجب قانون "قيصر"، فينص على أن العقوبات يمكن تعليقها إذا اتخذت الحكومة السورية خطوات ملموسة للوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيماوية وتدميرها، ما يعني أن المسألة لا تقتصر على تدمير الأسلحة الكيماوية بحد ذاته، بل تتضمن ذلك كجزء من التزامات أوسع بعدم تطويرها أو استخدامها.
استكمال مسار المحاسبة
أدت التحقيقات المتواصلة والدعاوى التي رفعتها منظمات حقوقية سورية إلى إصدار أربع مذكرات توقيف في تشرين الثاني 2023 بحق شخصيات متورطة بجرائم ضد الإنسانية والتواطؤ في جرائم حرب، استهدفت بشار الأسد، وشقيقه ماهر، وعميدين آخرين هما غسان عباس، مدير "الفرع 450" التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، وبسام الحسن، مستشار الأسد للشؤون الاستراتيجية.
ويرى الناشط الحقوقي ثائر حجازي أن اللجان التقنية التي شكلتها منظمة "حظر الأسلحة الكيماوية" للتحقيق بالهجمات الكيماوية في سوريا، من شأنها أن تدعم أي عملية مساءلة حقيقية للمرتبطين بهذه الهجمات، من خلال توثيق الاستخدامات الكيماوية، ولقاء الشهود والناجين، وفحص عينات التربة والهواء، والبحث في مصادر إطلاق الصواريخ، وتحديد الجهة المسؤولة عن هذا الاستخدام.
ويمكن للجان الوطنية المحلية الاستفادة من هذه اللجان، خصوصًا أنها عملت على توثيق عدد كبير من استخدامات الأسلحة الكيماوية، ويجب أن تتكامل الجهود القضائية الوطنية مع الجهود الدولية التي قامت بها الجهات الدولية المختلفة، لتستطيع الحكومة استخدام الوقائع والمعطيات الموجودة بحوزة هذه اللجان من أجل مساءلة حقيقية للأشخاص الذين تورطوا بشكل مباشر باستخدام السلاح الكيماوي على المناطق السورية طوال الفترة الماضية.
عقبات وصعوبات
أعلن النظام السوري السابق عن 41 منشأة للأسلحة الكيماوية في 23 موقعًا، تشمل 18 منشأة لإنتاج الأسلحة الكيماوية، و12 منشأة لتخزين الأسلحة الكيماوية، وثماني وحدات تعبئة متنقلة، وثلاث منشآت مرتبطة بالأسلحة الكيماوية. إلا أن المعلومات المقدمة من الدول الأطراف، والمواقع المحددة في قرارات أجهزة صنع القرار بمنظمة "حظر الأسلحة الكيماوية"، والمواقع التي أعلنت عنها الحكومة السورية الجديدة، تشير إلى وجود أكثر من 100 موقع إضافي يحتمل أن يكون قد شارك في أنشطة متعلقة بالأسلحة الكيماوية، وتخطط منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لإجراء زيارات إلى كل من المواقع المعلنة والمواقع الإضافية والمشتبه بها.
وفي آذار ونيسان الماضيين، زار فريق التفتيش، بدعم من الحكومة السورية الجديدة، أربعة مواقع معلنة وخمسة مواقع مشتبه بها، وشمل ذلك زيارات إلى منشآت برزة وجمرايا التابعة لمركز الدراسات والبحوث العلمية، والتي لم تكن جزءًا من عمليات التفتيش القديمة.
ويرى الناشط الحقوقي ثائر حجازي أن العقبات أمام عمل اللجان كثيرة، بسبب عدد السنوات التي بقي فيها هذا الملف جامدًا، وبسبب الممارسات السرية للنظام السوري السابق، والمراوغة السياسية والتقنية داخل سوريا مع لجان التحقيق التي كانت تدخل إلى سوريا. ويجب الأخذ بالحسبان ضياع أو تلف الوثائق الأصلية المرتبطة بهذا البرنامج، سواء بشكل متعمد من قبل فلول النظام أو من قبل النظام نفسه في الفترة الماضية، أو نتيجة الحرب والمعارك التي دارت في عدد كبير من المناطق القريبة من مختبرات تطوير هذا السلاح أو تخزينه أو الفرق العسكرية التي كانت تخزن هذه الأسلحة لتستخدمها.
وأضاف أن الموظفين السابقين الذين كانوا في عصر النظام السابق، والذين يعرفون كل أسرار هذا البرنامج، غير موجودين، فقد هربوا خارج البلاد أو متخفون داخل سوريا، وخوفهم من الملاحقة سيمنعهم من التعاون. ومن المعوقات الكبيرة لعمل اللجان هي قصف الطيران الإسرائيلي لعدد كبير من المواقع، التي كانت تحتوي على أدلة لاستخدام السلاح الكيماوي، وبعضها قد يحتوي على مختبرات لتطوير هذا السلاح وتخزينه. وكانت إسرائيل نفذت، في تشرين الثاني 2024، ضربات جوية استهدفت عددًا من منشآت الأسلحة الكيماوية التابعة للحكومة السورية غربي سوريا، بحسب القناة "12" الإسرائيلية.
ودعت الأمانة الفنية لمنظمة "حظر الأسلحة الكيماوية" الدول إلى تقديم مساهمات طوعية لتمويل أنشطة المنظمة في سوريا، إذ تحتاج المنظمة بحسب إعلانها، إلى 16.7 مليون يورو في عام 2025، وتقدّر الأمانة أنها بحاجة إلى 15.3 مليون يورو في عام 2026، و14.3 مليون يورو في عام 2027، لاستكمال مهامها، واتخاذ تدابير من شأنها، ضمن جملة أمور، منع عودة ظهور الأسلحة الكيماوية وانتشارها واستخدامها.