الإثنين, 28 يوليو 2025 01:46 AM

سوريا تحت المجهر الدولي: نظرة على دوافع المتابعة والرقابة

سوريا تحت المجهر الدولي: نظرة على دوافع المتابعة والرقابة

إياد أبو شقرا: لا تزال نتائج اللقاء الثلاثي الأميركي – الفرنسي – السوري الأخير محط نقاش وجدل حول ما تم الاتفاق عليه. هذا الوضع ليس جديدًا أو مستغربًا، نظرًا للظروف غير الاعتيادية للقاء والقضايا التي تناولها، خاصة بعد الأحداث الدامية والخطيرة في الجنوب السوري، والتي أعقبت أحداث منطقة الساحل ذات الغالبية العلوية.

من المعلوم أن القوى الدولية والإقليمية، التي تعتبر نفسها معنية مباشرة بالشأن السوري في الحقبة الجديدة بعد أفول النفوذين الروسي والإيراني، تراقب منذ بضعة أشهر أسلوب تعامل سلطة دمشق الجديدة مع ملفات عديدة، بدءًا من الأمن والاقتصاد، ومرورًا بالأقليات.

تركيا تولي اهتمامًا كبيرًا لنجاح تجربة ليست فقط في طليعة رعاتها، بل تراهن على تعميمها أيضًا. وتؤمن بأن «ضبط» الفسيفساء السورية وفق مصالحها ومفاهيمها هو مسألة «أمن قومي» تركي. هذا ما أكده وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي كان يشغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات قبل توليه منصبه الحالي. وبالتالي، يمتلك خبرة واسعة في التعامل الأمني مع أدق الملفات وأخطرها، سواء على الساحة السورية أو في منطقة الشرق الأوسط ككل.

فيما يتعلق بالمشهد السوري، لتركيا حدود مشتركة بطول حوالي 909 كيلومترات، تمتد من أقصى شمال شرقي منطقة الجزيرة عند حدود العراق الشمالية إلى شاطئ لواء الإسكندرونة في أقصى شمال غربي سوريا. ويرتبط هذا الخط الحدودي في جزء كبير منه بخط سكة حديد برلين – إسطنبول – بغداد. والجدير بالذكر أن العديد من الحكومات السورية المتعاقبة رفضت الاعتراف بضم لواء الإسكندرونة عن الأراضي السورية عام 1939 خلال فترة الانتداب الفرنسي. وكانت غالبية سكان اللواء، الذي تعد مدينة أنطاكية كبرى مدنه، من السوريين العرب، ومعظمهم من العرب السنة والعلويين والمسيحيين، إلى جانب الأرمن، في حين كانت نسبة الأتراك/التركمان أقل من 40 في المائة وفقًا لإحصاءات عام 1939.

عاش ويعيش خليط سكاني من العرب والكرد والترك والمسيحيين على طول جانبي خط الحدود، من محيط مدينة عفرين غربًا إلى محيط مدينة القامشلي شرقًا. لذا، يهم أنقرة كثيرًا منع أي تقسيم أو تقاسم لسوريا، بأي مستوى وتحت أي صفة، لأنها ترى في ذلك تأجيجًا للعصبية الكردية في الداخل التركي، حيث تقارب نسبة الأكراد 20 في المائة من مجموع سكان البلاد.

هذا فيما يخص أولويات أنقرة والشق الخاص بوضع الأقلية الكردية السورية في منطقة شرق الفرات، التي تحظى حاليًا باهتمام أميركي كبير. أما إلى الجنوب، فتمتد الحدود السورية مع الأردن، ومنها غربًا إلى هضبة الجولان المحتلة إسرائيليًا عام 1967 وأرض شمال فلسطين المحتلة عام 1948.

هضبة الجولان كانت، منذ قيام إسرائيل، نقطة اهتمام بالغ للدولة العبرية، لاعتبارين استراتيجيين: الأول إشرافها من علٍ على شمال غور الأردن وبحيرتي طبرية والحولة، والثاني لكونها مصدرًا مهمًا للثروة المائية.

إذا كان لـ«الفسيفساء» السورية شمالاً دورها في الحسابات السياسية التركية، فإنها جنوبًا كانت ولا تزال في صميم «اعتبارات» إسرائيل الأمنية والديموغرافية. فعلى الهضبة عاش لعقود، وغالبًا لقرون، خليط سكاني من الموحدين الدروز والمسيحيين والسنة العرب والسنة الشركس والتركمان، بجانب 3 قرى من العلويين، وقبل ذلك كان هناك وجود إسماعيلي أيضًا.

أيضًا، هضبة الجولان تتصل بأعلى نقطة خارج سلسلة جبال لبنان الغربية، وهي قمة جبل الشيخ حرمون، التي يمكن منها الإشراف على دمشق وسهلي حوران والجاذور. وفي شرق حوران ينتصب جبل العرب (محافظة السويداء) حيث توجد أكبر كثافة للدروز في المنطقة والعالم.

هذا المكون الدرزي في الجنوب السوري يعززه وجود درزي في دمشق وضواحيها ووادي العجم وشمال الجولان. غير أن العامل الأهم بالنسبة لإسرائيل يكمن في وجود ما لا يقل عن 120 ألف درزي في منطقة الجليل ونحو 20 ألفًا في قرى الجولان السورية المحتلة. وبالتالي، مثلما لتركيا «اعتبارات» سياسية وأمنية داخلية تبرر تدخلها بحجة درء «خطر» الأكراد، ترى إسرائيل أن من حقها التدخل جنوبًا بحجة «الخطر» على الموحدين الدروز.

وهنا نصل إلى الموضوعين العلوي والمسيحي.

الموضوع العلوي، في الحقيقة، لا يقل أهمية عن سابقيه، لا سيما أن العلويين السوريين أكثر عددًا من إخوتهم الدروز، ويشكلون غالبية سكانية في المحافظتين الساحليتين الوحيدتين في سوريا، أي اللاذقية وطرطوس في منطقة الساحل (جبال العلويين). ثم إن هاتين المحافظتين ضمتا، إبان حكم آل الأسد، القاعدة البحرية الروسية الحيوية في طرطوس، وقاعدة حميميم العسكرية الجوية الروسية المهمة قرب مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية. ومن ناحية أخرى، يشكل وادي النضارة (وادي النصارى) ذات الكثافة السكانية المسيحية التُّخم الجنوبي لجبال العلويين. ومن هذه المنطقة نسبة عالية من السوريين المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وبين هؤلاء ناشطون سياسيون ورجال أعمال بارزون ومؤثرون أصواتهم مسموعة في أروقة واشنطن.

كل هذا المشهد قد يساعد على فهم أسباب المتابعة، بل الرقابة، الدولية لتطورات الوضع السوري. بل لعله يفسر أيضًا القلق الكبير من تأخر تطبيق تدابير العدالة الانتقالية، وبناء المؤسسات، وتنظيم العلاقة مع الأقليات، سواء العرقية كالأكراد، أو الدينية كالمسيحيين، أو المذهبية كالعلويين والدروز والإسماعيليين.

أخبار سوريا الوطن١-الشرق الأوسط

مشاركة المقال: