الثلاثاء, 6 مايو 2025 08:02 PM

سوريا تطلق مشروع "أوغاريت 2" للاتصالات: هل يفوت لبنان فرصة التحول إلى مركز رقمي إقليمي؟

في ظل التحولات الاستراتيجية التي يشهدها قطاع الاتصالات في المنطقة، أطلقت سوريا المرحلة الأولى من مشروع "أوغاريت 2" بالشراكة مع شركة UNIFI الأميركية، والشركة السورية للاتصالات، وهيئة الاتصالات القبرصية CYTA. يهدف المشروع إلى تأمين ربط دولي عالي الجودة لسوريا عبر مسارات بحرية جديدة، بدعم من شركات اتصالات أوروبية وأميركية.

يسلط هذا الحدث الضوء على غياب لبنان عن هذا الحراك الإقليمي، على الرغم من امتلاكه الإمكانيات الفنية والبنية التحتية المؤهلة. فلبنان شريك في الكابل البحري الدولي IMEWE منذ عام 2007، عبر هيئة أوجيرو، في خطوة استراتيجية تهدف إلى جعله مركزاً للاتصالات في المنطقة. كابل IMEWE يربط الهند بأوروبا عبر المتوسط، ويمتلك لبنان سعة وازنة فيه انطلاقاً من محطة الإنزال في طرابلس.

تتساءل مصادر في قطاع الاتصالات عن عدم مبادرة الحكومة اللبنانية لبيع أو تأجير سعة من كابل IMEWE إلى سوريا، كما فعلت قبرص عبر CYTA. وترى المصادر أن هذه الخطوة ممكنة تقنياً وقانونياً، ويمكن أن تدر عائدات على الخزينة اللبنانية، وتعيد للبنان بعضاً من دوره في خارطة الاتصالات الإقليمية.

يوجد كابل بحري مهم بين لبنان وسوريا يُعرف باسم Berytar، وهو خط ألياف ضوئية يربط مدنًا بين البلدين، خصوصاً طرابلس وطرطوس، تم إنشاؤه منذ أكثر من عقدين، ويُشغَّل بالشراكة بين "أوجيرو" والشركة السورية للاتصالات. صُمم الكابل ليكون بوابة تبادل مباشر بين البلدين، ويمكن تطويره لتمرير سعة IMEWE من لبنان إلى سوريا، ومنها إلى العمق العربي.

على الرغم من أهمية هذا الكابل، إلا أنه بقي مهملاً. والفرصة متاحة اليوم لإعادة تأهيله ضمن مشروع متكامل يربط لبنان بشبكة إقليمية تمتد من المتوسط إلى الخليج، عبر سوريا والعراق.

يشكك البعض في إمكانية تنفيذ هذا التعاون بسبب الوضع السياسي والقانوني، لكن المصادر تؤكد إمكانية ذلك بشفافية وبالتنسيق مع الجهات الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، نظراً للعقوبات المفروضة على سوريا. ومع ذلك، فإن انخراط شركة UNIFI الأميركية في مشروع "أوغاريت 2" يؤكد أن التنسيق القانوني مع الجانب الأميركي ممكن.

تعتبر المصادر أن الكرة الآن في ملعب وزارة الاتصالات اللبنانية وهيئة أوجيرو لإعداد تصور مهني يضمن استثمار البنية التحتية للدولة، وعلى رأسها كابل IMEWE وكابل Berytar، في خدمة موقع لبنان الجغرافي والرقمي، وتوليد عائدات للخزينة اللبنانية.

في زمن يتحدد فيه النفوذ بالبيانات والربط الدولي، لم تعد كوابل الاتصالات مجرد أدوات تقنية، بل مفاتيح استراتيجية واقتصادية. فهل لبنان مستعد للعب دوره كجسر بين الشرق والغرب؟

بعد التغييرات الجيوسياسية الأخيرة، يجب عدم الاكتفاء باستبدال كابل اتصالات بحري قديم بين لبنان وقبرص بآخر جديد (قدموس)، بل يجب مقاربة موضوع الكوابل البحرية بصورة أوسع لتحقيق دور استراتيجي للبنان كبديل بري لمسار الإنترنت بين أوروبا وآسيا، خصوصاً أن 90% من حركة الإنترنت هذه تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس. يجب التركيز على جعل لبنان مركزاً رئيسياً من خلال إنشاء مسارات ألياف ضوئية برية شرقاً عبر سوريا والعراق والأردن فالسعودية، تربط لبنان بدول الخليج وآسيا، وشمالاً مع تركيا وأوروبا عبر شبكات برية، ثم الدمج مع الكوابل البحرية غرباً لتوجيه الحركة نحو أوروبا عبر المتوسط. يتطلب ذلك وضع خطة استراتيجية من وزارة الاتصالات بالتنسيق مع هيئة أوجيرو لتحديث البنية التحتية الوطنية للألياف الضوئية والشبكات الأساسية، وإنشاء المزيد من نقاط تبادل إنترنت (IXPs) محايدة في بيروت وطرابلس، وبناء شراكات إقليمية ودولية مع دول كالسعودية والإمارات وتركيا بالإضافة إلى شركات الاتصالات العالمية، وتسويق لبنان كممر أساسي رقمي محايد وآمن ومتين موازٍ لمسار الكوابل البحرية التي تمر عبر البحر الأحمر، في ظل التحديات الجيوسياسية المتراكمة من باب المندب إلى قناة السويس.

مشاركة المقال: