السبت, 6 ديسمبر 2025 01:03 PM

سوريا: معاناة مستمرة للنازحين في دير الزور رغم انتهاء الحرب.. هل من أمل في العودة؟

سوريا: معاناة مستمرة للنازحين في دير الزور رغم انتهاء الحرب.. هل من أمل في العودة؟

عمر عبدالرحمن ـ دير الزور

في مخيمات متهالكة، تتسرب مياه الأمطار إلى خيامها، تجلس أم محمد مع أطفالها الستة، تتشبث بذكريات منزلها الذي تركته منذ سنوات، وتحلم بالعودة إليه. بعد سنوات من الحرب التي خلفت مئات الآلاف من الضحايا والملايين من المهجرين، كان سقوط نظام الأسد في كانون الأول / ديسمبر 2024 بمثابة بارقة أمل للعودة إلى الحياة الطبيعية. ولكن بالنسبة لأم محمد وعشرات الآلاف من النازحين في دير الزور وغيرها، فإن الواقع لا يزال مريرًا.

تقول أم محمد، النازحة في مخيم محميدة غربي دير الزور، لنورث برس: "أعيش هنا مع أطفالي الستة. بعد كل هذه المعاناة، كنا نأمل أن نعود إلى منازلنا بعد التحرير، ولكن بصراحة لم نجد ما يشجعنا على العودة. الوضع الأمني في منطقتنا لا يزال يشهد حالات اغتيال وسرقة وتعد. المخيمات هنا ليست مكانًا للعيش".

أمل العودة وسط المخيمات

وتضيف: "الأوضاع هنا صعبة للغاية. لا توجد خدمات أساسية، لا كهرباء ولا ماء نظيف. نعيش في خيام تتسرب إليها المياه كلما هطلت الأمطار. ومنذ بداية الشتاء، أصبح البرد لا يطاق. أحيانًا أشعر أنني أفتقد حتى الحد الأدنى من الكرامة".

أما نايف العابد، القادم من مدينة البوكمال بريف دير الزور، فقد وجد نفسه مضطرًا للبقاء في المخيم رغم انتهاء الحرب: "هربنا من بلدتنا قبل خمسة أعوام تقريبًا بسبب ممارسات النظام والفصائل الإيرانية التي كانت تدير البلدة. نحن لم نكن نرتبط بالسياسة أو العسكرية، كنا مدنيين نعمل في التجارة، ولكن بسبب الفوضى والسرقات اضطررنا للجوء إلى مدينة هجين".

والاثنين الفائت، لقي عنصران تابعان لوزارة الدفاع السورية مصرعهما، إثر انفجار لغم أرضي في بادية دير الزور، بينما تبنى تنظيم الدولة الإسلامية هجومًا على صهريج نفط قبلها بيوم واحد.

ويضيف نايف لنورث برس: "بعد التحرير، عدت إلى بلدي البوكمال لأجد أن لا شيء قد تغير. الفوضى لا تزال موجودة، والسرقات تحدث بشكل يومي، بالإضافة إلى عدم وجود فرص عمل. أفضل البقاء في المخيم ريثما تتحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية في بلدتنا. لا يهمنا من يحكم، يهمنا من يؤمن لنا الأمان والحياة الحرة الكريمة".

الواقع الأمني والخدمات الأساسية

الناشط عبد الرزاق العارف، العامل في تقديم الدعم للعائلات النازحة، يوضح لنورث برس: "رغم انتهاء الحرب، إلا أن الكثير من الناس لا يشعرون بالأمان للعودة. هناك قلق دائم لعدم استقرار الوضع الأمني والاقتصادي. العديد من العائلات فقدت كل شيء ولا تعرف كيف ستبدأ من جديد".

ويضيف: "هناك أيضًا مسألة الخدمات الأساسية. معظم المخيمات تفتقر للرعاية الصحية والتعليم، لذلك الكثير من العائلات تفضل البقاء في المخيمات على العودة إلى مناطق قد تكون غير آمنة".

من جهته، يوضح الدكتور أحمد العبيد، وهو مختص في الشؤون الإنسانية، لنورث برس أن الوضع الصحي والنفسي للنازحين مأساوي: "الكثير منهم يعانون من أمراض بسبب الظروف المعيشية السيئة ونقص الرعاية الصحية. كما أن الضغوط النفسية الناتجة عن النزوح والحرب تؤثر بشكل كبير على صحتهم العقلية".

ويتابع: "هناك حاجة ملحة لتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للنازحين. يجب أن تكون هناك برامج تساعدهم على التعامل مع الصدمات التي تعرضوا لها، ولكن للأسف الدعم المتاح لا يكفي لتلبية احتياجات الجميع".

وتبقى آلاف العوائل في المخيمات، مثل أم محمد ونايف، في انتظار فرصة حقيقية للعودة إلى وطنهم. رغم انتهاء الحرب في بعض المناطق، يعكس واقعهم اليوم معاناة مستمرة وصعوبات كبيرة. توفير الدعم الإنساني والخدمات الأساسية أصبح ضرورة ملحة لتحسين حياة هؤلاء الأشخاص، الذين ما زالوا يبحثون عن الحرية الحقيقية: القدرة على العودة إلى الوطن واستعادة الحياة الطبيعية.

وتشير تقارير إلى أن مئات العائلات في مخيمات النزوح بمناطق دير الزور تعيش في خيام أو مأوى بدائي، وسط غياب شبه كامل للخدمات الأساسية، بما فيها المياه النظيفة والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية.

ويضطر الكثير من النازحين إلى شراء الماء من موردين خاصّين نتيجة توقف شبكات المياه أو دمارها، ما يزيد العبء المالي على الأسر. ومع حلول فصل الشتاء، تتفاقم المعاناة بسبب نقص التدفئة وبرودة الخيام، ما يضاعف المخاطر الصحية للأطفال والنساء، ناهيك عن الدمار في بنية الخدمات الأساسية بدير الزور، ما يجعل العودة إلى المنازل بعد انتهاء الحرب شبه مستحيلة دون إعادة تأهيل شامل.

وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن آلاف النازحين والمهجّرين ما زالوا بحاجة إلى مساعدات عاجلة تشمل المأوى والمياه النظيفة والرعاية الصحية والتعليم، فضلاً عن دعم نفسي واجتماعي لمساعدتهم على مواجهة الصدمات الناتجة عن النزوح والحرب.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: