السبت, 18 أكتوبر 2025 05:44 PM

شاهد على العصر: حسن م. يوسف يروي شهادته عن لقاءاته مع الأسد ومواقفه حول حرية الإعلام

شاهد على العصر: حسن م. يوسف يروي شهادته عن لقاءاته مع الأسد ومواقفه حول حرية الإعلام

عماد نداف: عرفت حسن م. يوسف ككاتب من خلال مجموعته القصصية "العريف غضبان"، وتعرفت عليه شخصياً عام 1994 عندما استقبلني في منزله في مساكن برزة لمناقشة مشروع درامي مقتبس من إحدى قصصه حول عيد الجلاء. وعندما علم أنني معتقل سياسي سابق، زاد ترحيبه بي وأكرمني وقدم لي القهوة بطريقته الخاصة، وعرّفني على عصافير مكتبه التي تزور نافذته كل صباح، والتقط لي صورة شخصية بكاميرته، أعتبرها من أهم الصور في حياتي لأنها أول صورة لي بعد خروجي من المعتقل. وقد أرسل لي الصورة المنشورة بعد تحميضها وطباعتها.

نظراً للجدل الدائر حول قرار فصله من اتحاد الكتاب العرب، والذي ينذر بتعميق الانقسامات بين النخب الثقافية، ولأن مقالتي السابقة كانت عن علاقتي بالدكتور أحمد جاسم الحسين وتعيينه رئيساً جديداً لاتحاد الكتاب العرب، أرى أنه من الضروري الإدلاء برأيي في هذا الحوار، خاصة وأنني شاهد على تفاصيل هامة.

سأبدأ من آخر حوار دار بيني وبينه، عندما أقام هو والمخرج باسل الخطيب ندوة حول الدراما السورية. كنت حاضراً وتابعت النقاش، وكغيري، كنت أطرح رأيي وأستفسر عن بعض الأمور. كان رأيي أن مشكلة السينما والدراما السورية التي تتناول الحرب في سوريا تكمن في أنها تندرج تحت مسمى "البروباغندا". قلت حرفياً: "دائماً هناك بطل إيجابي من الجيش السوري يتصدر البطولة، وأنا كمشاهد أعرف الجندي السوري، ولا داعي للتأكيد المتكرر على أنه البطل الإيجابي. سؤالي يتعلق بالبطل السلبي، لماذا لا يظهر هذا النوع في إنتاجاتكم؟" وشرحت ذلك بمثال قائلاً: "يهمني كمشاهد أن أعرف لماذا يفجر السوري نفسه، لماذا يقاتل السوري الجندي السوري، لماذا يقتلني ويقتل الآخرين كما نشاهد في السينما والدراما. أريد أن أتعرف عليه بظروفه ومعاناته وأهدافه من خلال شخصية درامية كما تقدمه السينما العالمية كبطل سلبي".

كان رد الكاتب حسن م. يوسف، بعد نقاش قصير تدخل فيه الأستاذ باسل الخطيب، هو: "لا نجرؤ"، فأجبت: "شكراً!" لماذا لا يجرؤ الكاتب والسيناريست حسن م. يوسف على إبداع نص أو سيناريو عن البطل السلبي الذي أشرت إليه؟

في عام 2006، دُعينا أنا وهو ومجموعة من الصحفيين والمسؤولين الإعلاميين إلى قصر الشعب للقاء هام مع بشار الأسد. وكما هو معتاد، يقوم المدعوون بطرح الأسئلة والإشادة به. وعندما جلسنا في قاعة الضيافة، طلب وزير الإعلام محسن بلال وقتها تقديم أسئلة مكتوبة. كتبت سؤالاً جريئاً (لا أريد أن أذكره الآن) وأعطيت الورقة للوزير، فأشار لي بالصمت. أما حسن، فنهض وتحدث مباشرة مع بشار الأسد قائلاً: "لقد أمضى الكاتب ميشيل كيلو، وهو كاتب معروف وجيد ومثقف مهم، ثلاثة أرباع مدة الحكم (أظن أن الحكم كان عشر سنوات)، ونرجو منكم العفو عنه ومنحه ربع مدة الحكم". فغضب بشار الأسد وصاح أنه لن يعفو عنه ولو ليوم واحد! وجلس حسن محبطاً، ولا أعرف إذا كان قد ارتجف من غضب الرئيس!

سأعود إلى مطلع التسعينيات لأحكي لكم عما جرى مع الصحفيين وأنا وحسن من بينهم، عندما دعانا وزير الإعلام الأسبق محمد سلمان، وجرى اللقاء في قاعة الاجتماعات في مبنى التلفزيون العربي السوري. في ذلك الوقت، كان الاجتماع مشتركاً بين الصحفيين والمخرجين. ما أن بدأ محمد سلمان الترحيب بنا حتى أثار لغطاً بحديثه، فقد رحب بداية بالمخرجين قائلاً: "أرحب بالزملاء المخبرين" (زلة لسان)، وأخذت عليه لسنوات طويلة.

المهم، كان حسن م. يوسف يجلس في الصف اليميني من القاعة فطلب الحديث، وتحدث عن واقع الإعلام، وطالب بإعلام مهني ومنح الصحفي هامشاً ديمقراطياً لأن الصحافة لا يمكن أن تنجح وتزدهر وتكون حيوية من دون شفافية وجرأة في الكتابة وهامش واسع من الديمقراطية، وانتقد انعدام هذا الهامش! فماذا كان رد الوزير؟ قال له وكأنه يعرفه من زمن طويل: "اسمع يا حسن، إذا كنتم تعتقدون أنكم صحفيون، فأنت غلطان، أنتم موظفون عندنا تكتبون ما نريد منكم، ومن لا تعجبه الصحافة الله معه!" وجلس حسن محبطاً ولا أعرف إذا كان قد تخوف من شيء ما قد يحصل ضده.

بقيت نقطة هامة تتعلق بعضويته في الاتحاد. هناك خطوتان من الضروري أن أحكي عنهما، الأولى: لماذا قام الدكتور نضال الصالح بمنحه العضوية الفخرية؟ وقد أخبرني رئيس الاتحاد بالخطوة قبل حدوثها، وكان بيني وبينه ود وعلاقة قديمة. وعندما صدر قرار بتعيينه رئيساً للاتحاد، أجريت مواجهة تلفزيونية بينه وبين سلفه الدكتور حسين جمعة في قناة تلاقي التي أنشئت من أجل أن تتحول لمنبر للمعارضة السورية، وكتب ميثاقها ثلاثة أشخاص (الدكتور ماهر خولي، الصحفي خالد مجر، وأنا)، ثم منع ظهور المعارضة عليها، وفيما بعد أغلقت.

المهم، جرت المواجهة وكانت شفافة جريئة، شارك فيها الدكتور محمد الحوراني الذي أضحى رئيساً للاتحاد فيما بعد، وهذه المواجهة شجعت الدكتور نضال الصالح على اتخاذ قرارات تميزه، فأخبرني أنه سيقدم على خطوات انفتاح هامة وعندما سألته أجاب أنه سيعيد طباعة الأعمال الكاملة للكاتب حسن م. يوسف ويمنحه العضوية الفخرية، وهذا ما حصل!

دققوا على كلمة "انفتاح"، أي أن حسن لم يكن متوافقاً مع سياسة الاتحاد. وقد خطا الدكتور محمد الحوراني هذا النوع من الانفتاح بشكل أعمق وأوضح عندما أجرى اتصالات مع أدونيس وغادة السمان وطالبهما بزيارة دمشق، وعندما تخوفت غادة السمان من الاعتقال أكد أنه سيكون منتظراً قدومها على الحدود، وقام بالفعل بطباعة كوابيس بيروت على نفقة الاتحاد في سياق انفتاح جدي على المثقفين السوريين، أثارت ردود فعل قاسية. كذلك وافق الاتحاد على طباعة أعمال جريئة في انتقادها للكاتب حيدر حيدر قبل وفاته، والكاتب اسماعيل مروة، والكاتب خليل صويلح وحتى رواية المئذنة البيضاء ليعرب العيسى.

أيضاً دققوا على كلمة "انفتاح"، التي تقابل دائماً بسخط من الأجهزة، وأنا استفدت جرأة محمد الحوراني، وجعلتني خطوات الدكتور الحوراني أتجرأ بدوري وأقدم روايتي (حكمة البوم والببغاء كاسكو) عن فرع التحقيق العسكري، فوافق الدكتور الحوراني وطبعت وكانت أول رواية تنشر عن المخابرات السورية في ظل حكم الأسد.

دققوا في عبارة "جعلتني أتجرأ".

كل ذلك لأقول أن شكل وأدوات الحكم في سورية كانت سداً منيعاً تجاه أي جرأة تقترب من الخطوط الحمر، وهذا لا يبرر لنا أن نكون خائفين، ومع ذلك خفنا إلى حد ما، لكن من الضروري أن أخبركم أنني وعندما لم أكن خائفاً دفعت من عمري عشر سنوات في سجني تدمر وصيدنايا وفروع الأمن.

كان الوضع صعباً في ظل الحقبة البائدة، ولذلك أرى أن قرار فصل الكاتب حسن م. يوسف غير مبرر، وينبغي على اتحاد الكتاب أن يسعى لتبقى النخب الثقافية متماسكة حتى ولو اختلفت الآراء والسير الذاتية لأصحابها! هذه شهادتي، وهذا واجبي!

(اخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)

مشاركة المقال: