الثلاثاء, 21 أكتوبر 2025 10:17 PM

عملية "الضمير" في ريف دمشق: هل تشير إلى تحول في الشراكة الأمنية ومكافحة الإرهاب؟

عملية "الضمير" في ريف دمشق: هل تشير إلى تحول في الشراكة الأمنية ومكافحة الإرهاب؟

في تطور أمني لافت، نفذ التحالف الدولي فجر الأحد عملية إنزال جوي في منطقة الضمير بريف دمشق، أسفرت عن اعتقال أحمد عبد الله المسعود البدري. تضاربت الروايات حول هوية البدري، حيث وصفته بعض المصادر بأنه "قيادي سابق في داعش"، بينما أشارت أخرى إلى أنه "مسؤول أمني رسمي".

استمرت العملية لساعات وسط تحليق مكثف للطيران وتطويق أمني محكم، واعتبرت منعطفاً نوعياً لكسرها الخطوط الحمراء التي كانت تفصل دمشق عن نطاق عمل التحالف. لطالما اقتصر عمل التحالف على مناطق الشمال الشرقي مع "قسد"، أو في البادية عبر قاعدة التنف، بالإضافة إلى شمال حلب وإدلب.

تكمن أهمية العملية في موقعها الجغرافي والدلالة السياسية التي تحملها، بالإضافة إلى هوية المستهدف. يفتح الإنزال قرب دمشق المجال لقراءتين: الأولى، توسع نطاق عمل التحالف ليشمل مناطق لم يكن مسموحاً بها سابقاً. والثانية، إشارة إلى أن دمشق تواكب متطلبات مكافحة الإرهاب، حتى بدون إعلان انضمامها الرسمي إلى التحالف.

يعزز هذا المعنى ما كشفه "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2025 عن إعادة هيكلة "جيش سوريا الحرة" وتغيير اسمه إلى "قوات المهام الخاصة في البادية"، ونقل تبعيته من وزارة الدفاع (الفرقة 74) إلى وزارة الداخلية، مع استمرار التنسيق مع التحالف عبر دوريات وتدريبات مشتركة لملاحقة خلايا "داعش".

هذا التحول المؤسسي يسهل التنسيق، حيث أصبح الفصيل الذي يعرفه الأميركيون جزءاً من الأمن الداخلي، مما يتيح للطرفين تقديم العملية للرأي العام بطرق مختلفة ولكن غير متناقضة. تعتبر العملية اختباراً عملياً لآلية التنسيق الجديدة بينهما.

تعليق المبعوث الأميركي توم براك بأن "سوريا عادت إلى صفّنا" يلخص تحولاً أوسع في مقاربة واشنطن، التي تعتبر التعاون في مكافحة الإرهاب، وخاصة ضد "داعش"، البوابة الوحيدة لأي تقارب سياسي أو تخفيف للعقوبات. يمكن قراءة الإنزال قرب العاصمة كرسالة مزدوجة: من التحالف الذي يثبت قدرته على الوصول إلى أي مكان في سوريا، ومن دمشق التي تُظهر استعدادها للتعاون في هذا الملف الحساس.

ومع ذلك، يثير التطور إشارات مقلقة، حيث يعيد وجود مشتبه بهم مرتبطين بالتنظيم في محيط العاصمة فتح ملف الأمن الداخلي في منطقة كانت تعتبر آمنة نسبياً. يذكر هذا بعمليات سابقة لوزارة الداخلية في ريف دمشق، مثل اعتقال منفذي تفجير كنيسة الدويلعة، وهي قضية لم يتم نشر اعترافات المتورطين فيها حتى الآن.

ترسم هذه الوقائع، بالإضافة إلى عملية الضمير، صورة عن عودة النشاط الجهادي إلى مناطق حضرية حساسة، وتضع الأجهزة الأمنية أمام اختبار بين الحاجة إلى الشفافية ومتطلبات العمل الأمني.

في المقابل، وصفت وسائل إعلام محلية مقرّبة من دوائر المرحلة الانتقالية العملية بأنها الخامسة المشتركة منذ تموز/يوليو، واعتبرتها دليلاً على شراكة أمنية جديدة، بينما التزم الجانب الأميركي الرسمي الصمت.

وسط الروايات المتضاربة، برزت تسريبات الناشط السوري زين العابدين (@DeirEzzore)، الذي يتابع أخبار التنظيم بدقة، حيث ذكر أن العملية كانت خاطئة وأن البدري أُصيب برصاصة أثناء الاعتقال ثم نُقل إلى مستشفى حرستا قبل إطلاق سراحه لاحقاً، مشيراً إلى أنه يعمل مع جهاز استخبارات الدولة وظهر الشهر الماضي برفقة نائب محافظ ريف دمشق. لم يتم تأكيد هذه الرواية من أي جهة مستقلة، لكنها تكشف حجم الالتباس الذي يحيط بالعملية وهوية المستهدف.

لم يقتصر الجدل على السرديات الأمنية والإعلامية، بل دخل البُعد العشائري إلى المشهد مع بيان لقبيلة عنزة التي ينتمي إليها البدري، استنكرت فيه العملية ووصفت المستهدف بأنه رجل دولة ومصلح اجتماعي، وطالبت بالتحقيق والإفراج عنه فوراً. تحول الحدث من عملية أمنية بحتة إلى قضية رأي عام، تتقاطع فيها الحسابات المؤسسية مع حساسيات المجتمع المحلي.

في الختام، تتجاور خمس سرديات: إنزال جوي للتحالف، ومداهمة أمنية داخلية، وشراكة جديدة، وتسريبات ميدانية متناقضة، واحتجاج عشائري. ما يجمعها هو وقوع العملية على تخوم العاصمة، وفي لحظة سياسية دقيقة يُعاد فيها تعريف العلاقة بين دمشق وواشنطن على قاعدة مكافحة الإرهاب، وأن إعادة تدوير "جيش سوريا الحرة" تحت مظلة الداخلية قد تكون القناة التي جعلت هذا التنسيق ممكناً. مع كل عملية مشابهة، يُعاد رسم الخريطة الأمنية والسياسية في سوريا الجديدة، حيث تتقاطع مسارات مكافحة الإرهاب وتطبيع العلاقات، وتغدو كل خطوة ميدانية اختباراً عملياً لشكل التحالفات المقبلة.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية

مشاركة المقال: