بعد مرور نحو ثمانية أشهر على التحرير، لا يزال الوضع الإنساني في عين الفيجة مأساويًا. على الرغم من مرور سنوات على الحملة العسكرية التي استهدفت البلدة في ريف دمشق، إلا أنها تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية واستمرار قرارات استملاك الأراضي والممتلكات التي أثرت على أكثر من نصف مساحة القرية السكنية.
واقع مُنهك بلا خدمات
يعيش اليوم آلاف المهجرين من عين الفيجة في بيوت مستأجرة أو متفرقين في مناطق أخرى، بينما بقيت البلدة مدمرة، تفتقر إلى الكهرباء والصرف الصحي، وتعتمد بعض المنازل القليلة على صهاريج مياه تباع بأسعار مرتفعة. المدارس لا تزال غير صالحة للاستخدام، والطرقات مظلمة، ولم يتم تنفيذ أي من الوعود الحكومية السابقة بإعادة تأهيل المرافق الحيوية.
كشف رئيس المجلس المحلي لبلدة عين الفيجة في ريف دمشق، خليل عيسى، خلال مداخلة مع منصة ، عن حجم الدمار الذي لحق بالبلدة والمعاناة التي يعيشها الأهالي منذ صدور قانون الاستملاك رقم 1 لعام 2018، والذي شمل أكثر من 1100 عقار يمتد من عين الفيجة وصولاً إلى دير مقرن، أي ما يقارب 80% من مساحة المنطقة. ووصف عيسى هذا القانون بأنه "جائر"، إذ أدى إلى هدم البلدة بالكامل وحرمان الأهالي من ممتلكاتهم، بموافقة وإشراف مؤسسات النظام، بما في ذلك مؤسسة مياه عين الفيجة، والمحافظ، ورئيس فرع الحزب، وحتى مديرية الخدمات.
وأوضح عيسى أن البلدة التي كانت تعتبر وجهة سياحية بارزة، فقدت نحو 150 مطعمًا بشكل كامل، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الأساسية، بدءًا من مبنى الناحية، ومركز النفوس، والفرن الآلي، والمقسم الهاتفي الحديث، وصولاً إلى المحكمة والمركز الثقافي. كما طالت أعمال التدمير مدرسة ابتدائية على الرغم من أنها تقع خارج منطقة الحرم المباشر للنبع. وأضاف أن المواصلات أصبحت شبه معدومة، حيث يضطر الطلاب إلى استخدام أربع وسائل نقل مختلفة للوصول إلى الجامعات، بينما يعاني السكان من انقطاع المياه على الرغم من أن خزان دمشق الأول موجود في البلدة نفسها. وأشار إلى أن أكثر من ألفي شخص، أي ما يقارب 200 عائلة، يعيشون اليوم في ظروف خدمية معدومة، ويشترون مياههم عبر الصهاريج.
ولفت رئيس المجلس المحلي إلى أن مؤسسة المياه لم تقم بدورها في إصلاح شبكة الصرف الصحي الرئيسية ولا في تعزيل مجرى نهر بردى، الأمر الذي يهدد بحدوث فيضانات متكررة. وأضاف: "اضطررنا لإرسال عمال على نفقة الأهالي لتنظيف مجرى النهر، لكنهم تعرضوا لإصابات بسبب عملهم في شبكة صرف صحي متهالكة تحتاج إلى استبدال كامل". كما أوضح أن المجلس المحلي قام بترميم سقف المستوصف على نفقته الخاصة بتكلفة تجاوزت 50 مليون ليرة سورية، بعد أن تنصلت المنظمات الدولية من وعودها بإعادة تأهيله بحجة تضرر المبنى، إلا أن أي جهة لم تقدم حتى الآن أي دعم حقيقي للقطاع الصحي أو لبقية الخدمات.
وطالب عيسى بترميم المدارس بشكل عاجل قبل بدء العام الدراسي، حيث لا يوجد سوى مدرستين كانتا في السابق عبارة عن ثكنة عسكرية تحوي دبابات، في حين تبقى الحاجة ماسة إلى بناء حكومي جديد ليخدم مئات الطلاب. وأشار إلى أن البلدة تحتاج أيضًا إلى ترحيل نحو 200 ألف متر مكعب من الأنقاض، وتشغيل الآبار المعطلة، وتأهيل السواقي، فضلاً عن إعادة بناء المحكمة ومركز الهاتف ومركز الناحية، وتوفير نقطة إطفاء للحماية من الحرائق.
وختم عيسى بالقول إن المحافظة لم تقدم أي خدمات تُذكر على الرغم من زيارة المحافظ شخصيًا إلى البلدة قبل ستة أشهر واطلاعه على حجم الدمار، مضيفًا أن الجمعية الفلاحية بدورها لم تحصل على أي دعم على الرغم من الاجتماعات المتكررة مع المعنيين. وأكد: "نحن في المجلس المحلي نعمل بجهد مضاعف بموارد محدودة، لكننا بحاجة ماسة إلى دعم ومساعدة حقيقية حتى تتمكن عين الفيجة من النهوض من جديد".
يقول حسن فيجاني أحد أبناء البلدة ل: "نحن نُعامل وكأننا غرباء في أرضنا. حتى اليوم، لم تُرفع الأنقاض، ولا يوجد أي تحرك جدي لإعادة الحياة إلى البلدة، في وقت نرى فيه القرى المجاورة تحظى بخدمات وإنارة وصيانة على يد الإدارة ذاتها".
جذور الأزمة
عقب التهجير القسري عام 2017، أقدمت فرق الهندسة التابعة للحرس الجمهوري على تفجير ما يقارب 80% من منازل ومطاعم البلدة، إضافة إلى المراكز الحكومية مثل مقسم الاتصالات، مجلس البلدة، المحكمة، مكتب الكهرباء، والبنك. وفي مطلع 2018، صدر قرار يقضي باستملاك نحو 1100 عقار، أي أكثر من نصف أراضي عين الفيجة السكنية، ما حرم مئات العائلات من حق العودة. وعلى الرغم من محاولات وجهاء البلدة ومحاميها بعد سقوط النظام لإلغاء القرار، قوبلت جميع الطلبات بالرفض، دون اعتبار لكون العقارات ملكيات خاصة مسجلة رسميًا.
من بلدة سياحية إلى أطلال
كانت عين الفيجة يومًا وجهة سياحية بارزة وملاذًا للمهجرين من مختلف المناطق السورية، قبل أن تتحول إلى أطلال مهملة. ومع استمرار التهميش وغياب الحلول، يطالب الأهالي اليوم بإعادة الإعمار ومعالجة قضايا الملكية والخدمات الأساسية لسكان البلدة.