الخميس, 3 يوليو 2025 06:06 PM

في ريف دير الزور: "حجر اللبن" يعود كملاذ أخير في ظل أزمة الإعمار وارتفاع الأسعار

في ريف دير الزور: "حجر اللبن" يعود كملاذ أخير في ظل أزمة الإعمار وارتفاع الأسعار

في خضم الأزمة الاقتصادية الطاحنة والارتفاع غير المسبوق في أسعار مواد البناء التقليدية، يبرز "حجر اللبن" مجدداً في ريف دير الزور، ليصبح خياراً عملياً ومنقذاً لآلاف الأسر التي تسعى لإعادة بناء منازلها المتضررة.

هذا الحجر، الذي يُصنع يدوياً من الطين والتبن والماء ويُجفف تحت أشعة الشمس، بات الملاذ الأخير لسكان الريف الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الإسمنت والحديد والطوب المصنّع، والتي تجاوزت القدرة الشرائية لمعظمهم.

البناء حلم بالنسبة لكثيرين

يقول محمد المحيمد، أحد سكان الريف، في حديث لمنصة: "حجر اللبن كان أساس البيوت في دير الزور منذ قرون، قبل دخول الإسمنت والحديد. كنا نبني بيوتنا من الأرض، بتناغم مع بيئتنا وتقاليدنا."

وأضاف: "اليوم، وبعد أن أصبح البناء الحديث حلماً بعيداً، عاد الأهالي لهذا الحجر الترابي الذي أثبت فعاليته في الظروف القاسية." ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وغياب الدعم، لم يعد استخدام "حجر اللبن" مجرد خيار تراثي أو بديل مؤقت، بل ضرورة فرضتها الظروف. فالبناء بهذه الطريقة لا يتطلب آلات ثقيلة أو تقنيات معقدة، بل فقط أيدٍ عاملة تعرف أسرار التراب والتبن.

منازل أكثر انسجاماً مع البيئة

من جهته، أوضح عيسى الحساني، أحد العاملين في مجال تصنيع وبناء "حجر اللبن"، أن ما يميز هذا النوع من البناء، بالإضافة إلى تكلفته المنخفضة، هو خصائصه الحرارية. وتابع في حديث لمنصة: "البيوت المصنوعة من اللبن توفر عزلاً طبيعياً يحمي السكان من حر الصيف وبرودة الشتاء. إنها بيوت صحية، لا تحتاج إلى تكييف ولا تدفئة، وبالتالي توفر في استهلاك الطاقة."

وأشار الحساني إلى أن هذه العودة إلى "اللبن" لا تعكس فقط ضيق الحال، بل أيضاً تمسك الأهالي بتراثهم وهويتهم: "كل حجر لبن نحمله اليوم يحمل ذاكرة الأجداد، ونبنيه ليس فقط لتوفير مأوى، بل لنثبت أننا قادرون على النهوض حتى بأبسط الموارد."

بين الماضي والحاضر: بوصلة النجاة

مع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية وغياب الدعم الحكومي أو الدولي لمشاريع الإعمار الشعبية، يظهر "حجر اللبن" كخيار عملي يجمع بين الإرث القديم والحاجة المعاصرة. وعلى الرغم من بساطته، يعكس هذا الحجر قصة صمود، وشهادة على أن أبناء دير الزور لا يزالون متمسكين بجذورهم، وقادرين على تجاوز المحن بمواردهم الذاتية.

مشاركة المقال: