الإثنين, 12 مايو 2025 09:28 PM

قضية ميرا ثابات: كيف أشعلت روايات متضاربة فتنة الانقسام في المجتمع السوري؟

قضية ميرا ثابات: كيف أشعلت روايات متضاربة فتنة الانقسام في المجتمع السوري؟

عنب بلدي – حسن إبراهيم

أثارت قضية الشابة السورية ميرا ثابات جدلًا واسعًا وانقسامًا في الشارع السوري، بعد انتشار أخبار عن تعرضها لـ "اختطاف وسبي وزواج قسري"، قبل أن تنفي الفتاة وزوجها أحمد هذه المزاعم في مدينة حمص وسط سوريا.

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحالة من "التضامن المتسرع" بدافع الحرص والخوف والبحث عن الحقيقة، بينما خلقت منشورات أخرى حالة من "التجييش" وتعزيز رواية "سبي النساء" في سوريا.

ظهرت ميرا وأحمد في بث مباشر مع الصحفي والباحث عمر منيب إدلبي عبر "فيس بوك" في 9 أيار الحالي، وأكدا أن علاقة حب جمعتهما قبل الأحداث الأخيرة، وقررا الزواج رغم رفض العائلتين بسبب اختلاف الطائفة، ونفيا مزاعم الاختطاف والزواج القسري.

تتشابه حالة ميرا وأحمد مع حالات أخرى لاقت تفاعلًا من السوريين وتضامنًا مع روايات كانت بعيدة عن الصحة، مما أدى إلى انقسام مجتمعي تفاقم بسبب تأخر التحقق من المعلومات وبيئة خصبة لتضخيم الاتهامات على أساس ديني وطائفي.

"استقطاب سياسي"

لجأ بعض الصحفيين والإعلاميين والمؤثرين والفنانين إلى تحليل لغة الجسد، معتبرين أن ميرا "مجبورة وخائفة" بناءً على صور لها، ورأى البعض أن ملابسها تذكر بزي مرتبط بتنظيم "الدولة الإسلامية" وجماعات جهادية متشددة، وتحدث آخرون عن وجود كدمات على وجهها.

قال مدير منصة "تأكد"، الصحفي أحمد بريمو، لعنب بلدي، إن قضية ميرا مثال على استخدام القضايا المحقة في الدعاية والاستقطاب السياسي من قبل معارضي السلطة الجديدة، بمن فيهم المرتبطون بالنظام السابق والرافضون لأسباب أيديولوجية دينية.

أشار إلى أن التعاطف مع ميرا قد يكون نابعًا من معرفة بوجود انتهاكات في سوريا، تجاوزت التدخل في الحياة العامة إلى الخطف والقتل.

يرى بريمو أن ما حدث مع ميرا قد يستخدم للتشكيك في أي عملية خطف مستقبلية أو سابقة في سوريا، محذرًا من اعتبار قضيتها مثالًا عامًا على جرائم الخطف، خاصة للنساء.

أوضح أن جرائم الخطف متكررة منذ سنوات لأسباب مثل رفض الأهل تزويج بناتهم من أديان مختلفة أو لأسباب اقتصادية.

اعتبر بريمو التعاطف مع هذه الحوادث طبيعيًا، خاصة بين مناصري حقوق المرأة، مشيرًا إلى اعتراف شريحة واسعة من السوريين بوجود مشكلات في المجتمع، بما في ذلك ظلم المرأة.

أتمنى أن يستمر الانحياز والدفاع عن قضايا المرأة في سوريا، وألا تؤثر قضية ميرا على هذا المسار، ولا بد من الإشارة إلى أن قضية ميرا إحدى القضايا التي استُخدمت سياسيًا من أجل تشويه أو تلميع صورة طرف سياسي على حساب طرف آخر.

أحمد بريمو

مدير منصة "تأكد"

روايتان.. مجتمع هش

ترافقت قضية ميرا وأحمد بموجة من التشكيك والاتهامات والغضب والخوف، وعكست بيئة مجتمعية هشة، سبقتها مواجهات مسلحة في جرمانا بريف دمشق إثر انتشار تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد نُسب لأحد شيوخ الطائفة الدرزية، وهو ما نفاه الشيخ.

اعتبرت الباحثة في مركز "عمران للدراسات" حلا حاج علي أن حادثة ميرا مثال على تشكيل السرديات المتناقضة في سوريا، حيث انقسم السوريون إلى روايتين متضادتين: الأولى ترى فيها اختطافًا وزواجًا قسريًا، والثانية تعتبرها قصة حب كسرت الاصطفاف الطائفي. وبين هذين التفسيرين، تاهت الحقيقة، وتحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى "محكمة" بديلة تحكمها الانفعالات والتخندق الأيديولوجي.

ترى حاج علي أن من صدّق رواية الخطف مدفوع بخوف حقيقي من تكرار الانتهاكات، بينما من أنكرها مدفوع بالخوف من الاعتراف بمسؤولية جهته عن انتهاك مشابه.

أضافت أن سعي الأطراف المختلفة إلى تأويل القصة يخدم مصالحها السياسية، دون مراعاة لحساسية الحقيقة أو لحاجة المجتمع إلى رواية موحدة.

ترى أن سرعة الانقسام وتبادل الاتهامات يشيران إلى هشاشة العقد الاجتماعي وغياب الثقة المتبادلة.

في بلد يفتقر إلى سردية وطنية جامعة، بات كل حدث هامشي قابلًا للتحوّل إلى معركة سردية كبرى. وبدلًا من فحص المعطيات، ننتقي منها ما يعزز قناعاتنا المسبقة، فنحن لا نقرأ الأحداث بعقل مفتوح، بل نُسقط عليها مخاوفنا وهوياتنا المتصارعة.

حلا حاج علي

باحثة في مركز "عمران للدراسات"

خطوات لبناء الثقة

بعد الأحداث الأخيرة، صارت سوريا بيئة خصبة لانتشار الشائعات والأخبار المغلوطة وخطاب الكراهية، مع صعوبة التحقق من المعلومات وتأخر الموقف الحكومي الرسمي.

قالت الباحثة حلا حاج علي إن المشهد السوري يزداد قتامة في ظل غياب وسائل إنتاج الحقيقة، فالإعلام المستقل غائب أو مهمش، والمؤسسات الرسمية متراخية، والتحقيقات الحيادية شبه معدومة، ما يترك فراغًا تملؤه وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحوّلت إلى محكمة جماهيرية، يهيمن عليها الانفعال ويتصدرها الخوف.

ترى حاج علي أن الحاجة ملحّة إلى الدفع باتجاه قضاء عادل، والإسراع في خطوات العدالة الانتقالية، ومحاسبة المنتهكين من كل الأطراف، وتعزيز ثقافة الحوار بين المناطق، وتشجيع الإعلام على تبنّي خطاب مستقل يستند إلى الشفافية وحقوق الإنسان.

بالتوازي، لا بد من ترسيخ الثقة بين الدولة والمجتمع، من خلال إعلان نتائج لجنة تقصّي الحقائق في الساحل، وتوضيح عمل لجنة السلم الأهلي، مع إشراك المجتمع المدني والمجتمعات المحلية في صياغة وتنفيذ خططها، وكل ذلك من شأنه أن يُعيد بناء جسور الثقة، ويدفع نحو عدالة مجتمعية، وترميم ما تفتّت من النسيج الوطني، وفق الباحثة.

مشاركة المقال: