تتخذ موافقة الحكومة اللبنانية على الورقة التي قدمها المبعوث الأمريكي، توماس براك، في 19 حزيران الماضي، بشأن نزع سلاح "حزب الله" اللبناني، بعدًا إقليميًا ودوليًا، نظرًا لارتباطها بنشاط الحزب وعلاقاته الخارجية. تتضمن الورقة مبادرة أمريكية لترسيم الحدود بشكل كامل مع سوريا وإنهاء ملفات عالقة.
ترتبط ورقة براك بالوضع في سوريا بشكل مباشر، حيث تتضمن بندًا ينص على "ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا بشكل واضح ودائم"، وفقًا للنص الحرفي الذي نشرته مجلة "المجلة" في 8 آب الحالي.
تنص المرحلة الثانية من الورقة على ضرورة تسهيل الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة لعملية ترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا، على أن يكتمل الترسيم في المرحلة الرابعة.
مضمون الورقة وموقع سوريا فيها
تتضمن الورقة حوافز دبلوماسية للمسار اللبناني-السوري، مثل "تخفيف مشروط للعقوبات الأمريكية، وتقديم حوافز اقتصادية مقابل نجاح عملية الترسيم".
يشمل الفصل الثاني من الورقة مبادرة لترسيم وتحديد الحدود البرية والبحرية بين سوريا ولبنان والمناطق الاقتصادية الخالصة للدولتين.
تتناول الورقة قضايا رئيسة مثل "غياب اتفاق رسمي بشأن الحدود الدولية بين البلدين"، و"الغموض في الحدود العقارية والإدارية داخل القرى الحدودية"، إضافة إلى "التردد السوري في الانخراط بعملية الترسيم دون الحصول على تنازلات إقليمية مقابلة".
تتطلب المبادرة إعادة فتح النقاشات حول محاور "حيوية" لترسيم الحدود اللبنانية-السورية:
- محور الهرمل-القصير: يجب أن يعكس الترسيم حدود السيطرة الإدارية اللبنانية قبل عام 1975، وفصل السيطرة السورية على منطقة القصير عن أي تأثير عابر للحدود في منطقة الهرمل.
- حدود عرسال-القلمون: إعادة تثبيت الحدود العقارية التاريخية للبنان في محيط بلدة عرسال، استنادًا إلى خرائط الانتداب الفرنسي لعام 1933، وسندات الملكية الصادرة بعد الاستقلال.
- قطاع وادي خالد: ترسيم حدود واضحة باستخدام المسوحات الطوبوغرافية المشتركة التي أُجريت في خمسينيات القرن الماضي، مع إدراج آلية لإدارة مشتركة لحوض المياه.
- سلسلة جبال لبنان الشرقية: اعتماد خط الجبال الفاصل الرئيس كمعلم لترسيم الحدود، وتأكيد فرق المسح الفني التابعة للأمم المتحدة سيادة كل دولة على مرتفعاتها الرئيسة.
تُجرى عملية التحقق من القطاعات المرسّمة بشكل مشترك بين الفرق اللبنانية والسورية، وبمساندة من الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، والأمم المتحدة.
يجب ترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة بدعم وتيسير من الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، والأمم المتحدة، وفقًا لورقة براك.
تتضمن توصيات المبادرة:
- بدء المفاوضات لترسيم الحدود البرية والبحرية بالتزامن مع تنفيذ المرحلة الأولى من الفصل الأول من المذكرة، والانتهاء منها مع اختتام المرحلة الرابعة.
- تشكيل لجنة ثلاثية (لبنان، سوريا، خبراء خرائط من الأمم المتحدة) لتتولى عملية الترسيم الكامل للحدود البرية والبحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، بمساعدة الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، والأمم المتحدة.
- نشر وحدات من الجيش اللبناني لضمان الترسيم الميداني الفعلي.
- ربط مراحل الترسيم بخطوات تدريجية للتطبيع الاقتصادي بين بيروت ودمشق.
- تمويل بناء أبراج مراقبة على طول الحدود البرية، وإنشاء مراكز حدودية تابعة للأمن العام والجمارك.
- تنظيم عودة النازحين السوريين إلى ديارهم.
- المساعدة في تسريع عملية إعادة الأسرى السوريين من لبنان إلى سوريا، ومعالجة ملف اللبنانيين المفقودين في سوريا.
- ممارسة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ضغوطًا على الحكومة السورية لضمان التزامها الكامل بتنفيذ المذكرة.
تشمل "الحوافز الدبلوماسية" تخفيفًا مشروطًا للعقوبات الأمريكية على سوريا بإتمام عملية الترسيم، والتزام الأطراف المانحة الدولية والصناديق العربية بدعم مشاريع التنمية الاقتصادية الريفية في المناطق التي يتم ترسيمها.
كيف تنظر دمشق إلى الورقة
تنظر سوريا بـ"إيجابية" للملفات التي تخصها، وكانت تسعى لترسيم الحدود ومنع الاعتداءات التي يقوم بها "حزب الله" على الحدود، بحسب المحلل السياسي السوري حسام طالب.
تطلب دمشق من الجيش اللبناني الانتشار على الحدود ومنع وصول "حزب الله" إلى الحدود، لأنه يقوم باعتداءات ومحاولة التدخل في سوريا.
يعتقد طالب أن سوريا لا تتردد في موضوع ترسيم الحدود، بل من يتردد هو "الواقع في لبنان الذي يفرض على الحكومة اللبنانية عدم تطبيق التزاماتها مع الدولة السورية".
أشار طالب إلى زيارة رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، إلى سوريا في نيسان الماضي، والاتفاق على ترسيم الحدود ومبادرة دمشق بنشر الجيش السوري على الحدود والتصدي لخروقات "حزب الله" أو العشائر الموالية له، إلا أن لبنان لم يلتزم بهذا.
يرى الكاتب والصحفي اللبناني زياد علوش، أن الأساس في الموضوع السوري-اللبناني، هو "القرار السياسي بشكل العلاقة بين سوريا ولبنان".
اعتبر علوش أن الأمور التقنية مثل الحدود والتهريب والسجناء السوريين في لبنان، والمختفين اللبنانيين في سوريا خلال الفترة السابقة، وودائع السوريين في المصارف اللبنانية، هي "تفاصيل"، إذا ما اتخذ قرار سياسي بين البلدين بتشكيل علاقة استراتيجية يكون فيها "التقاطع وليس التعارض".
قال علوش، إن "النظام السوري الجديد" عبر عن أن تكون العلاقة مع لبنان من دولة لدولة، لكن علوش يرى أن شكل العلاقة لم يعد يختص بين دولتين، بل دخل مسارات إقليمية متشابكة.
سوريا غير مهتمة بنزع سلاح "الحزب"
لم تخرج عن الحكومة السورية أي تصريحات تتعلق بنزع سلاح "حزب الله" في الآونة الأخيرة، وهو ما عزاه المحلل السياسي حسام طالب، إلى أن سوريا "غير مهتمة ولا تتدخل بشؤون الدول الأخرى".
يعتقد زياد علوش، أن نجاح مسار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح "حزب الله"، وبسط سيطرتها على كامل التراب اللبناني، يعني أن لبنان متقاطع مع المسار الذي سلكته سوريا والذي ستكون له نتائج مهمة أبرزها في الاقتصاد الأمن.
يرى علوش أن القراءة الجديدة بين سوريا ولبنان لم تبدأ بعد بشكل فعلي، وهي تنتظر قدرة الحكومة اللبنانية على تنفيذ ما تعهدت به ببسط سلطتها الكلّية على الأرض اللبنانية.
وأضاف أن الدولة السورية حددت وجهتها الإقليمية والدولية واتخذت قرارها، وهي بانتظار الشريك اللبناني وفق الرؤية والمشروع العربي بعيدًا عن "الهلال الشيعي" و"ممر داوود".
ماذا جرى في لبنان
أثير النقاش بشأن نزع سلاح "حزب الله" منذ أن انقلب ميزان القوى في لبنان، بسبب الحرب مع إسرائيل العام الماضي، والإطاحة بحليف "حزب الله" في سوريا، بشار الأسد.
الحكومة اللبنانية صدّقت، على ورقة المبعوث الأمريكي، توماس براك، التي نصت على حصرية السلاح وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وضمان استدامة وقف الأعمال العدائية وإنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها "حزب الله"، على كامل الأراضي اللبنانية، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، وتسوية القضايا الحدودية وقضايا الأسرى بالطرق الدبلوماسية من خلال مفاوضات غير مباشرة.
تشمل الورقة، "إنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير التابعة للدولة بشكل تدريجي، بما في ذلك (حزب الله)، في جميع الأرجاء اللبنانية، شمال وجنوب نهر الليطاني، وتقديم الدعم اللازم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي".
أعلن "حزب الله" أنه سيتعامل مع قرار الحكومة اللبنانية بتجريده من سلاحه "كأنه غير موجود"، متهمًا إياها بارتكاب "خطيئة كبرى" في اتخاذ قرار يجرّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي".