الجمعة, 8 أغسطس 2025 03:39 AM

لبنان يواجه تحديات نزع سلاح حزب الله: ما هي الخيارات المطروحة وتداعياتها المحتملة؟

لبنان يواجه تحديات نزع سلاح حزب الله: ما هي الخيارات المطروحة وتداعياتها المحتملة؟

يمثل قرار الحكومة اللبنانية بتكليف الجيش وضع خطة لنزع سلاح حزب الله خطوة غير مسبوقة منذ عقود. ولكن، هل ستجد هذه الخطة طريقها إلى التنفيذ، وما هي الخيارات المتاحة أمام حزب الله، وما التداعيات المحتملة لهذا القرار؟

أهمية القرار الحكومي

للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية (1975-1990) ونزع سلاح الميليشيات التي شاركت فيها، تصدر الحكومة قراراً بنزع سلاح حزب الله، الفصيل الوحيد الذي احتفظ بسلاحه بحجة "مقاومة" إسرائيل.

ينزع القرار الشرعية السياسية عن سلاح حزب الله، الشرعية التي كرّستها الحكومات السابقة في بياناتها الوزارية من خلال ما عُرف بثلاثية "جيش وشعب ومقاومة"، وذلك عندما كان حزب الله القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذاً في البلاد ويحظى بدعم من دمشق وطهران.

لكنّ الوضع تغيّر مع تشكيل السلطة الحالية على وقع تغير موازين القوى. فقد خرج الحزب ضعيفاً من حربه الأخيرة مع إسرائيل العام الماضي، بينما تلقت طهران ضربة موجعة إثر حرب مع إسرائيل استمرّت 12 يوماً في حزيران/يونيو، وسقط حكم بشار الأسد في سوريا.

تسببت محاولات سابقة لطرح مصير سلاح حزب الله أو بناه التحتية واللوجستية المستقلة عن الدولة، بأزمات سياسية وفوضى أمنية، لعلّ أبرزها ما حصل في العام 2008 حين قررت الحكومة وقف شبكة اتصالات الحزب السلكية. فاجتاح حزب الله بيروت في السابع من أيار/مايو وحصلت مواجهات بين عناصره وأنصار خصومه السياسيين أودت بحياة أكثر من 65 شخصاً.

بقي سلاح الحزب مادة انقسام سياسي بين فريق يطالب بسيادة الدولة على جميع أراضيها وإمساكها بقرار الحرب والسلم، وفريق آخر يقوده حزب الله يتمسك بالسلاح لمواجهة إسرائيل وحماية لبنان. لكن لطالما تعرّض الحزب لاتهامات باستخدام سلاحه للتحكّم بالداخل.

خيارات حزب الله

كان رد الفعل الأول من حزب الله على قرار الحكومة عنيفاً.

فقد رفض الحزب نزع السلاح الأربعاء، وقال إنه سيتعامل معه "وكأنه غير موجود"، واصفاً إياه بـ"الخطيئة الكبرى".

وبالتالي، وإن كانت الخيارات محدودة أمام الحزب، تبدو جميعها مكلفة.

يمكن للحزب بعد رفض القرار، أن يصعّد عبر استقالة الوزراء الأربعة المحسوبين عليه وعلى حلفائه، وتعطيل عمل البرلمان حيث له كتلة وازنة مع حلفائه، أو إثارة الفوضى عبر تحريك مناصريه في الشارع والظهور المسلح من أجل إشاعة جو من الترهيب.

لكن أي صدام في الداخل ستكون له تداعيات كبرى على السلم الأهلي ودور حزب الله.

يقول الباحث في الشأن اللبناني لدى مجموعة الأزمات الدولية دايفيد وود "أعتقد أن حزب الله يريد أن يقلّل قدر الإمكان من احتمال دخوله في مواجهة مع الجيش، لأنه يعلم أن البلد كله سيكون ضده، باستثناء مؤيديه، وسيشكّل ذلك كارثة حقيقية على صورته".

دحض النائب عن حزب الله علي عمار احتمال حصول مواجهة مع الجيش، بتأكيده الأربعاء أن الجيش والحزب "أكثر المؤسسات تفهما وتفاهما مع بعضهما البعض لما فيه مصلحة لبنان وحمايته".

يمكن لحزب الله أن يصعّد مجدداً ضد إسرائيل. لكن خوضه "أي حرب سيكون مدمراً لأنه لا يملك خطوط إمداد، بعد أن خسر الكثير مع انهيار النظام السوري وتأثرت قدراته الاستخباراتية واللوجستية"، وفق ما يشرح المحلل العسكري رياض قهوجي.

خرج الحزب منهكاً من حربه مع إسرائيل التي قتلت عدداً كبيراً من قادته ودمّرت جزءاً كبيراً من ترسانته العسكرية. وبات حصوله على السلاح والمال من إيران عملية معقدة للغاية مع تشديد السلطات اللبنانية والسورية الجديدة تدابيرها على المعابر الحدودية، وإخضاع مؤسسات تمويله في لبنان والخارج لرقابة مشددة وعقوبات متزايدة.

قد يكون السيناريو الأكثر تفاؤلاً أن يوافق حزب الله على نزع سلاحه في النهاية وينصرف الى العمل السياسي على غرار ما فعلت الميليشيات التي شاركت في الحرب الأهلية. لكن مصدراً لبنانياً مواكباً للمحادثات قال لوكالة فرانس برس في وقت سابق إن الحزب "لن يفعل ذلك من دون مقابل". علماً ان قرار التخلّي عن السلاح يرتبط كذلك بإرادة طهران.

يرجّح الباحث في مركز "أتلانتيك كاونسل" نيكولاس بلانفورد أن "يحاول حزب الله كسب الوقت" في المرحلة المقبلة، إذ "يستحيل أن يوافق على نزع سلاحه بالكامل".

الارتدادات على لبنان

يتعرّض لبنان لضغوط كبرى تشترط حصر السلاح بيد القوى الشرعية بين أمور أخرى للحصول على دعم دولي وعربي لتحقيق الاستقرار والازدهار في البلد الصغير. ومصدر الضغوط بشكل خاص دول الخليج، الجهة المموّلة تاريخياً للبنان بعد كل أزمة، والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

قال الرئيس اللبناني الخميس "علينا اليوم أن نختار، إما الانهيار، وإما الاستقرار".

في حال إصرار حزب الله على رفض أي جدول زمني لتسليم سلاحه، قد تجد السلطات اللبنانية نفسها في "مأزق"، وفق بلانفورد، بسبب التردّد في استخدام القوة في مواجهة الحزب في بلد شديد الانقسام طائفياً وسياسياً.

يشرح بلانفورد "سيكون من الصعب جداً على الحكومة اللبنانية إجباره على التخلي عنه. وإذا لم تستطع تحقيق ذلك سياسياً، فهل سترسل الجيش اللبناني لمواجهة حزب الله؟ هذا لن يحدث. لذلك، لا بد من التوصل إلى نوع من التسوية أو الاتفاق، وهو أمر لن يكون سهلاً".

في الأثناء، قد يدفع ذلك إسرائيل للتحرّك مجدداً عسكرياً. وسبق للدولة العبرية أن أوصلت رسائل واضحة للبنان عبر الإعلام والقنوات الدبلوماسية، بأنها لن تتردّد في شنّ عمليات عسكرية مدمّرة إذا لم ينفّذ بند نزع سلاح حزب الله الذي ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين.

مشاركة المقال: