الأحد, 20 أبريل 2025 02:48 PM

محمود القديمي: قصة اختفاء قسري تروي معاناة عائلة سورية تنتظر العدالة

محمود القديمي: قصة اختفاء قسري تروي معاناة عائلة سورية تنتظر العدالة

في مدينة الرحيبة بريف دمشق، وتحديدًا في القلمون الشرقي، تُروى حكاية من مئات الحكايات التي سجّلتها سنوات الحرب السورية: قصة رجل اختفى في لحظة، وبقيت أسرته في قبضة الانتظار والخذلان.

كان محمود علي القديمي، في مطلع الأربعين من عمره، يعمل في التعهدات البنائية، ويُعرف بين جيرانه برجل الكدّ والسعي الشريف. عاش حياة بسيطة مع زوجته وأطفاله الخمسة، وكان يؤمن بأن العمل هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل كريم. لطالما حدث أطفاله عن أهمية التعليم والمثابرة، وغرس فيهم القيم التي نشأ عليها في مدينته المتواضعة.

في عام 2013، وبينما كان عائدًا من دمشق إلى الرحيبة، توقف محمود عند حاجز القطيفة. هناك، طلب منه عناصر الحاجز النزول من السيارة، وما هي إلا لحظات حتى اختفى. لم يعد. لم يُعرف مصيره. وحدها السيارة عادت إلى المدينة، ليحمل قريبه الخبر الصاعق إلى زوجته: “اقتادوه إلى جهة مجهولة”.

منذ تلك اللحظة، دخلت العائلة في نفق مظلم، مليء بالإشاعات، والأخبار المتناقضة، والسماسرة الذين ابتزوا العائلة مدّعين القدرة على إطلاق سراحه مقابل مبالغ مالية كانت تُجمع بشق الأنفس، ثم تختفي دون أثر، كما اختفى محمود.

تحولت زوجته من معلمة وأم، إلى امرأة معيلة، تكافح وحدها لتأمين لقمة العيش وتعليم أولادها. لم يكن الأمر سهلًا، لكنها حملت مسؤوليات الحياة بشجاعة. كبر الأطفال وهم يحملون صورة والدهم الغائب في ذاكرتهم، ويستمدون منه القوة في مواجهة الحياة.

رغم غيابه، لم ينكسروا. ابن محمود الأكبر تابع دراسته في المجال الطبي، وأصبح مثالًا للنجاح، يردّ الجميل لأمه، ويكرم كفاحها في غياب الأب.

ورغم مرور أكثر من عقد، لا تزال صورة محمود القديمي حاضرة في البيت. لا تزال العائلة تترقب خبرًا، رسالة، أي شيء يضع حدًا لهذا الانتظار الثقيل. لم تتلق العائلة أي معلومة مؤكدة عن مصيره حتى اليوم، ومع كل سنة تمضي، يترسخ الغياب، لكن الأمل لا يموت.

محمود القديمي، ليس مجرد فرد مفقود، بل رمز لعائلات سورية لا تُعد ولا تُحصى، دفعت ثمن الحرب من أعصابها وكرامتها وحياتها. لا يزال اسمه دعاءً في قلب أم، وصورة في عيون أطفال أصبحوا رجالاً، وحلمًا بالعدالة في وطن لا يزال يبحث عن معنى للعدالة.

مشاركة المقال: