الإثنين, 1 ديسمبر 2025 06:33 PM

مسار العدالة الانتقالية في سوريا: هل تساهم في تحقيق المصالحة الوطنية والسلم الأهلي؟

مسار العدالة الانتقالية في سوريا: هل تساهم في تحقيق المصالحة الوطنية والسلم الأهلي؟

بعد مرور عام على سقوط نظام الأسد في نهاية العام الماضي 2024 وتشكيل حكومة جديدة، يتطلع آلاف السوريين إلى انطلاق مسار العدالة الانتقالية، الذي كان أحد الأهداف الرئيسية للثورة السورية. هذه الثورة التي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا، سواء بالقتل خارج القانون، أو الموت تحت التعذيب، أو الاختفاء القسري، أو الاعتقال التعسفي، أو التهجير.

عبّر السوريون عن غضبهم تجاه مرتكبي الانتهاكات من قوات نظام الأسد المخلوع وأجهزته الأمنية، مطالبين بمحاسبتهم كجزء أساسي من بناء الدولة الجديدة، بعيداً عن الانتقام الفردي أو الجماعي الذي لا يحقق الاستقرار.

على الرغم من تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية، إلا أنها لم تبدأ عملها بعد، ولم يتم سن قوانين خاصة بها أو تشكيل محاكم خاصة. هذا التأخير يثير تساؤلات ويولد مشكلات لدى السوريين، وهو ما استطلعته صحيفة "الثورة السورية" خلال لقائها مع أهالي الضحايا.

ما هي العدالة الانتقالية؟

العدالة الانتقالية هي مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تتخذها الدولة لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. تشمل هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، وإصلاح المؤسسات. تهدف العدالة الانتقالية إلى تحقيق المحاسبة والتعويض للضحايا، والاعتراف بحقوقهم، وتعزيز الثقة المدنية، وتقوية سيادة القانون والديمقراطية.

تاريخياً، تم إصدار مرسومين رئاسيين في 17 أيار/مايو 2025 لإنشاء "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" و"الهيئة الوطنية للمفقودين"، ما اعتبر نقطة تحول في مسألة العدالة والمحاسبة في سوريا. تتمتع الهيئة بصلاحيات محاسبة رموز النظام السابق، بمن فيهم بشار الأسد ومسؤولو نظامه العسكريون والمدنيون، المتورطون في الانتهاكات التي ارتُكبت بحق السوريين منذ انطلاق الثورة في آذار/مارس 2011 وحتى سقوط النظام في نهاية العام 2024. وتسعى الهيئة إلى الكشف عن الحقائق وتوثيق الانتهاكات وجبر الضرر.

إلا أنه، وعلى الرغم من مرور أشهر على تأسيس الهيئة، لم يشهد السوريون تحولات ملموسة في مسار العدالة. يرى المعتصم الكيلاني، المختص في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان، أن عمل الهيئة لا يزال محدوداً، وأن التغيير شكلي أكثر منه عملي. ويضيف أن الهيئة لم تطلق بعد الخطوات الأساسية لعملها، مثل وضع خطة وطنية متكاملة، وبدء برامج حقيقية لجبر الضرر والمساءلة، والتواصل مع ذوي الضحايا والمفقودين، وإصدار تقارير دورية شفافة، والتنسيق مع المؤسسات الحكومية والقضائية والأمنية.

أسباب التأخير في مسار العدالة الانتقالية

يرى الخبراء أن مسار العدالة الانتقالية في سوريا يحتاج إلى عمل في اتجاهات متعددة. يجب أن تنطلق الهيئة بعمل أكثر واقعية وجدية، من خلال الوصول إلى الحقائق والوثائق، والتحقيق في الانتهاكات، والقدرة على إصدار أوامر قضائية. ولا بد من تشكيل بنية متكاملة قادرة على أداء هذه الأدوار بعيداً عن البيروقراطية، مع وجود إرادة سياسية حكومية لدعم عمل الهيئة وتوضيح صلاحياتها.

يعتقد الكيلاني أن التأخير يرتبط بحجم المأساة السورية ووجود آلاف الضحايا والمفقودين والمهجرين، ما يؤدي إلى تآكل الثقة بالمؤسسات الناشئة، وضياع الأدلة والشهادات، وارتفاع احتمالات تجدد العنف.

هل تحتاج العدالة إلى تشريعات جديدة؟

لم يشهد تاريخ سوريا الحديث محاسبة وعدالة انتقالية لمرتكبي الانتهاكات، خاصة خلال فترة حكم حزب البعث وعائلة الأسد. فمنذ انقلاب عام 1963، تم إصدار قوانين استثنائية قائمة على فرض حالة الطوارئ، إضافة إلى تشكيل محاكم استثنائية كالمحكمة الميدانية ومحكمة مكافحة الإرهاب. لذلك، لا بد من سن تشريعات جديدة تضمن نجاح مسار العدالة الانتقالية.

يرى الكيلاني أن القوانين الحالية لا تغطي الجرائم الكبرى كالإخفاء القسري والتعذيب وجرائم الحرب، ولا تضمن حقوق الضحايا في جبر الضرر والتعويض، ولا تنص على عدم سقوط الجرائم الخطيرة بالتقادم، ولا تحمي الشهود. ويشير إلى أن وزارة العدل تعمل حالياً على سن قانون مستقل للعدالة الانتقالية يشمل آليات حقيقية، وأشكال المحاسبة، وبرامج جبر الضرر، وإصلاح قطاع الأمن، وضمانات عدم تكرار الجرائم.

تُعد العدالة الانتقالية طريقاً آمناً لتحقيق السلم الأهلي والمصالحة الوطنية، خاصة بعد أن يشعر المواطنون أن العدالة تمكنت من محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات. ويختم الكيلاني بأن العدالة الانتقالية هي الطريق الأكثر ضماناً لبناء السلم الأهلي الحقيقي، من خلال الاعتراف بالحقيقة، والمحاسبة التي تمنع الانتقام، وإصلاح المؤسسات، وجبر الضرر الذي يعيد جزءاً من كرامة المواطنين وحقوقهم.

من المهم أن تدعم الدولة السورية تطبيق العدالة الانتقالية بكل الوسائل الممكنة، لما في ذلك من تعزيز لثقة المواطنين وتأسيس لسلم أهلي قوي.

أخبار سوريا الوطن١-الثورة السورية

مشاركة المقال: