الثلاثاء, 14 أكتوبر 2025 12:57 AM

مستقبل سوريا في الأمم المتحدة: دمشق تركز على دور المبعوث الأممي الجديد

مستقبل سوريا في الأمم المتحدة: دمشق تركز على دور المبعوث الأممي الجديد

ناقش الرئيس "أحمد الشرع" مع الأمين العام للأمم المتحدة "أنتونيو غوتيريش"، خلال تواجده في نيويورك، دور المنظمة الأممية في مستقبل سوريا، مع إبداء اهتمام أقل باسم المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا.

أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا، "غير بيدرسون"، استقالته بعد سبع سنوات تقريبًا في المنصب، حيث لعب دورًا محوريًا في مرحلتين متباينتين. تمثلت المرحلة الأولى في الحفاظ على دور الهيئات التمثيلية للمعارضة السورية ودعم وجودها ومنع إقصائها. أما المرحلة الثانية، بعد إسقاط النظام، فقد ركزت على مراقبة العملية الانتقالية والتذكير بالمبادئ الأساسية للأمم المتحدة في بناء السلام وإدارة المراحل الانتقالية، مع الحفاظ على قضايا أساسية مثل العملية السياسية، والمشاركة، والمواطنة، ودور الدولة، وحقوق الإنسان.

تثير استقالة "بيدرسون" تساؤلات حول خليفته المحتمل. تشمل قائمة المرشحين المحتملين شخصية سويدية، تحظى بفرصة جيدة نظرًا لحياد السويد في الملف السوري. تاريخيًا، يُفضل المرشحون من الدول المحايدة في هذا الملف لتجنب تأثير حكوماتهم عليهم. ومع ذلك، هناك مخاوف من إعادة تدوير مبعوثين سبق لهم العمل في المنطقة دون تحقيق نجاح يذكر، أو ممن يتمتعون بشخصية ضعيفة، في حين تتطلب سوريا مبعوثًا سياسيًا قوي الشخصية.

كما يُطرح اسم مرشح مصري، مع العلم أن فكرة المبعوث العربي كانت مطروحة في عام 2024 للإشراف على مبدأ الخطوة مقابل خطوة الذي تبناه العرب في التعامل مع نظام الأسد آنذاك. لكن المخاوف انصبت حينها على احتمال تأثر المبعوثين العرب بدولهم أو بدول المنطقة، واحتمال تغييب أولويات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان في حال اختيار المبعوث بناءً على المشروع العربي. هذه المخاوف لا تزال قائمة.

تشمل قائمة المرشحين أيضًا "نجاة رشدي"، نائبة المبعوث الحالي، والتي يُحتمل أن تتولى منصب المبعوث أو تلعب دورًا آخر مع الأمم المتحدة في سوريا. مع ذلك، تفضل دمشق المبعوثين العرب، وقد اقترح دبلوماسي سوري اسم مبعوث أردني للأمم المتحدة. لكن الأهم بالنسبة لدمشق حاليًا هو دور ومهمة المبعوث، وليس اسمه.

على الرغم من تغير الظروف في سوريا، يظل اختيار المبعوث الخاص للأمم المتحدة خاضعًا لإجراءات دولية تتطلب موافقة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن أو عدم اعتراضها. ومع أن الملف السوري لم يعد يشكل خلافًا دوليًا كبيرًا كما في السابق، ما يجعل مهمة الأمين العام للأمم المتحدة في اختيار المبعوث القادم أقل استقطابًا، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. عادةً، يسحب الأمين العام اسم أي مرشح تبدي أي من الدول دائمة العضوية أو الدول الإقليمية المؤثرة في الملف السوري تحفظًا عليه.

يدور الحوار بين السلطات السورية وممثلي الأمم المتحدة حول مهمة المبعوث الأممي ودوره في المرحلة الانتقالية، وهو ما كان محور النقاش بين الرئيس "أحمد الشرع" والأمين العام "أنتونيو غوتيريش"، وتتابعه وزارة الخارجية حاليًا. تسعى الأمم المتحدة، ومعها المبعوثون المرشحون الذين تواصل الأمين العام معهم، إلى تثبيت دور سياسي مباشر في الإشراف على المرحلة الانتقالية ومجرياتها، استنادًا إلى القرار 2254، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العميقة في المشهد السوري ما بعد إسقاط النظام. بينما تفضل السلطات السورية أن يقتصر دور الأمم المتحدة على الدعم الإنساني والتنموي، من دون أن يمتد إلى العملية السياسية والمتابعة أو الرقابة على إدارة المرحلة الانتقالية، الأمر الذي سيحدّ من فاعلية المبعوث الأممي ووظيفته في ضمان إطلاق عملية سياسية في البلاد وبناء سلام مستدام.

في المقابل، يتخذ الاتحاد الأوروبي والمانحون الرئيسيون موقفًا وسطًا بين الطرفين، يقوم على ضرورة أن تكون الأمم المتحدة شريكًا إشرافيًا وضامنًا للمرحلة الانتقالية، بحيث تشارك في التخطيط والتنفيذ، وتضمن إشراك جميع القوى والمكونات السورية ومنع أي ممارسات إقصائية أو احتكارية قد تعيد إنتاج الاستبداد وتُقوّض أسس السلام المستدام.

داخليًا، تبدو الحاجة ماسة إلى منطق الأمم المتحدة في إدارة المراحل الانتقالية، لما يمثله من مرجعية قانونية وحقوقية وإنسانية، تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس المشاركة والشفافية والمساءلة. فحتى الآن، أظهرت السلطات السورية الانتقالية مرونة ملحوظة في التعامل مع الخارج وشركاء المجتمع الدولي، لكنها لم تُقدّم المرونة ذاتها تجاه الداخل. فعلى سبيل المثال، خلال عملية تشكيل مجلس الشعب الانتقالي، لم يُتح للمجتمع المدني السوري مراقبة العملية، بينما فُتح المجال أمام سفراء الدول وبعض مكاتب الأمم المتحدة، ما يعكس الحاجة إلى إطار أكثر شمولًا للمشاركة المحلية.

في ظل هشاشة التوازنات الداخلية، تبرز الأمم المتحدة كفاعلٍ لا غنى عنه في حماية جوهر المرحلة الانتقالية، وضمان ألا تنحرف عن المطالب التي خرج السوريون من أجلها: الحرية، والعدالة، والديمقراطية، والمشاركة، والكرامة. من هنا تأتي الحاجة لمنطق الأمم المتحدة في المرحلة الانتقالية في سوريا، المنطق الذي يقوم على بناء دولة قائمة على الشرعية الشعبية، وسيادة القانون، والمساءلة، والمشاركة دون إقصاء، دولة تُدار بالمؤسسات لا بالأفراد، وتُؤسَّس على الحقوق والعدالة والمواطنة المتساوية كأساس للسلام الدائم. هذا المنطق يحتاج توازنًا بين السياسي والإنساني والاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي لا يمكن لمبعوث بعقلية undp أن يقود العملية، بل تحتاج مبعوث بعقلية سياسية يفهم الواقع السوري والمنطقة جيدًا، ونائب بعقلية undp متطورة ليشكلا ثنائيةً تحتاجها سوريا. فتحول منظور الأمم المتحدة إلى خدمات وغذاء وتنمية فقط يعني فقدان تأثير السياسة والمشاركة السياسية على المرحلة الانتقالية ومستقبل سوريا. على أن يكون استمرار الدور السياسي للأمم المتحدة لا يشكّل تدخلاً في السيادة، بل ضمانة لتكريسها على أسس جديدة قائمة على المشاركة والمساءلة، وبما يُعيد تعريف الدولة السورية كدولة مواطنين لا دولة أشخاص أو أجهزة.

مشاركة المقال: