الأربعاء, 26 نوفمبر 2025 05:58 AM

من أوغاريت إلى العالم: رسالة بعل التاريخية تدعو إلى السلام والمحبة

من أوغاريت إلى العالم: رسالة بعل التاريخية تدعو إلى السلام والمحبة

يكشف غسان القيم في قراءة معاصرة لأسطورة قديمة، عن رسالة سلام انطلقت من أوغاريت، تحمل في طياتها دعوة لإيقاف الحروب وتعزيز قيم الحياة. فمن بين آلاف الرُقم الفخارية التي عُثر عليها، تبرز كلمات تعكس دهشة العصور الأولى، وتدعو إلى إرساء لغة السلام وتنمية الحياة بدلًا من محوها.

في أسطورة بعل وعناة، يقف الإله بعل على قمة جبل صفون، مخاطبًا أخته المحاربة الشرسة، في خطاب أممي عابر للزمن. هذا النص الفخاري ليس مجرد أسطورة، بل وثيقة إنسانية مبكرة، تُذكّر بأن حضارات الشرق القديم لم تكن حضارات حرب فحسب، بل حضارات إرادة الحياة والخصب والعدالة وحق الشعوب في العيش بأمان.

يقول بعل لعناة: "أنا أرفض الحروب في الأرض! اجعلي في الأرض الكثير من المحبة وازرعي السلام بين الحقول، أعيدي عصاكِ وأسلحتكِ..." هذه الدعوة التي طرحتها أوغاريت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ما يزال العالم عاجزًا عن الإجابة عن سؤالها: لماذا الحروب إذا كانت الأرض تتسع للجميع؟

كلمات بعل ليست مجرد وعظ أسطوري، بل مشروع مجتمعي يقوم على نبذ العنف، وإحلال لغة الحوار، وتثبيت قيم الأخوة الإنسانية، وإعطاء الأولوية للزراعة والخصب والإعمار، وإعادة توجيه القوة نحو البناء لا الهدم.

عناة، التي عُرفت بحدتها وقوتها، تمثل الجانب المقاتل في النفس الإنسانية، لكن الأسطورة تُظهر أنها قادرة على التغيير، وأن تتحول إلى حارسة للحياة. وفي قبولها نداء أخيها بعل، يتجلى درس عميق: حتى أقوى النزاعات يمكن أن تتبدل حين تُستدعى إلى معنى أعمق، معنى الوجود ذاته.

إن قراءة هذه الأسطورة اليوم ليست عودة إلى الماضي فحسب، بل استعادة لبذرة ثقافية تقول: إن قيم العيش الكريم ليست مفهومًا حديثًا، وإن التسامح والسلام لم يكونا غريبين عن عقل هذه الأرض المباركة منذ أقدم العصور. المجتمع الأوغاريتي لم يكن مجتمع حرب، بل كان مجتمعًا يملك نظامًا قانونيًا متطورًا وعلاقات تجارية واسعة، ويؤمن بثقافة العيش المشترك والانفتاح على الآخر.

يمكن لرسالة بعل أن تصبح اليوم جزءًا من ثقافة تربوية وإنسانية جديدة تقوم على نشر ثقافة الأمل بدلًا من ثقافة الخوف. فزرع الأمل يبدأ من التربية والفن والخطاب العام، وجعل السلام خيارًا ثقافيًا لا سياسيًا فحسب. فالحروب ليست قدرًا بل قرارًا، كما لم تكن قدرًا في أوغاريت قبل أربعة آلاف عام.

أوغاريت، هذه المدينة العظيمة، قامت وازدهرت بفضل تعاونها مع العالم لا انعزالها عنه. فكل انتصار لا يثمر خبزًا ولا يترك في الأرض ماءً هو هزيمة مهما بدا عظيمًا.

إن رسالة بعل لعناة ليست فقط أقدم نداء سلام مكتوب على الطين، بل هي همس من زمن بعيد يذكر العالم الحديث بأن الحياة أكبر من الحرب، والمحبة أقوى من السيوف، والسلام هو الطريق الوحيد الذي يليق بالإنسان.

وما تزال الكلمات تتردد على جبل صفون اليوم كما كانت قبل آلاف السنين: "تعالي إليّ إلى جبلي المقدس... لدي كلمة للسلام."

عاشق أوغاريت.. غسان القيم..

اللوح الفخاري المكتشف في مدينة أوغاريت الأثرية في ثلاثينيات القرن الماضي يتضمن ترجمة أسطورة بعل وعناة، التي اعتبرت أقدم رسالة للسلام في العالم منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة عام.

(أخبار سوريا الوطن1-صفحة الكاتب)

مشاركة المقال: