الخميس, 25 سبتمبر 2025 09:31 AM

من ذكريات الطفولة إلى مسؤوليات الحياة: رحلة الأجيال

من ذكريات الطفولة إلى مسؤوليات الحياة: رحلة الأجيال

بقلم المهندس باسل قس نصر الله، عندما أتأمل أبنائي اليوم، وقد استقل كل منهم بحياته وأسس عائلته، تنتابني ابتسامة داخلية وأقول: نعم، لقد أصبح لكل بيت جيشه الصغير، وهذه الجيوش الصغيرة تشكل جيشنا الكبير.

تعود بي الذاكرة إلى البدايات، إلى صباحات كنا نستيقظ فيها على صوت أمهم وهي تصدر أوامرها الصارمة والحنونة في آن واحد. كان الحمام ساحة معركة مصغرة: "اغسل وجهك جيدًا"، "لا تزعج أختك"، "هيا بسرعة". ثم يأتي وقت اللباس، واليد التي لا تترك شيئًا للصدفة: بنطال نظيف، كنزة مرتبة، شعر ممشط، وأحذية مصقولة. وفي النهاية، يخرجون إلى مدارسهم كالعصافير الملونة، يحملون حقائب أكبر من أجسادهم الصغيرة.

وعند عودتهم، تبدأ جولة أخرى: الطعام، الوظائف، الملاحظات، والاعتراضات. جدول ضرب يُكتب، نص يُقرأ، ودفتر وظائف يُفتش. وبين صوت يعلو، وضحكة تتسرب، كانت الأيام تمضي، ليأتي الصيف بفسحاته، وبقطار اللاذقية في سورية، وبالبحر الذي لا يملون منه.

واليوم، تغير المشهد. كبر الأولاد وصاروا هم من يخططون للرحلات، هم من يجتمعون ويتناقشون، وصار صوت أمهم مختلفًا: لم يعد يحمل الأوامر، بل الدعوات والبركة… "الله يحميكم"… "اشتقتلكم"… "الله يرزقكم".

لكن الغريب أن الذكريات لا تشيخ. ما زلت أراهم أطفالاً كلما نظرت في وجوههم، حتى وهم يقودون سياراتهم ويأخذوننا في جولات سياحية، فرحين بأن يرونا أماكن جميلة ويشتروا لنا ما يسرنا. هم لا يعرفون أنني، في تلك اللحظات، أستعيد صورهم القديمة: كيف كنت أقود السيارة وهم نائمون في المقاعد الخلفية، أو كيف كانوا يصرون على شراء لعبة في مدينة الملاهي.

دورة الحياة عجيبة: كنا نحن من نشتري لهم، واليوم صاروا هم من يفرحون بشراء ما يفرحنا. كنا نحن من يأخذهم إلى البحر، واليوم هم من يدعوننا لنمشي معهم على شاطئ جديد. هذا الشاطئ هو الجسر بين طفولتهم وشبابهم، بين ضحكات الأمس ومسؤوليات اليوم.

كل عائلة عاشت هذا المشهد بطريقتها الخاصة، وكل أم كانت قائداً أعلى لجيشها الصغير. وهذه الجيوش الصغيرة، على اختلاف تفاصيلها، هي التي صنعت صورة سورية، وزهرتها، وخريطتها التي رسمها الأطفال مرة بألوان الطباشير… وعلينا نحن أن نحميها اليوم بجيشنا الكبير. اللهم اشهد اني قد بلّغت (أخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: