مالك صقور
سُئلت عن زاويتي الأسبوع الماضي :” الطاغية ” ، ودائماً يتجه السؤال : مَنْ المقصود ؟! ؛ طبعاً ، المقصود هو الطاغية الذي لا يعرف أنه طاغية .. وتمنيت أن يُطرح سؤال مهم : من يصنع الطاغية ؟ كيف يظهر الطاغية ؟ كيف يُسمح للشخص أن يصبح طاغية ؟ هل الخنوع والخضوع وعيشة العبيد هي التي تسمح لهذا الحاكم بأن يصبح طاغية ؟ يترافق مع ذلك القمع ، والسجن ، وكّم الأفواه .. وانعدام الحرية . و. و .
بصراحة ، كان جوابي مختصرأ لبعض الأصدقاء ، قلت : ” مَنْ عرفَ الجهل كان عاقلاً ، ومَنْ جِهلَ ذاته ، كان بذات غيره أجهل “..هذا مايقوله هرمزالحكيم .
وأعود للحديث عن الطاغية ، وكما قلت في الزاوية الماضية ، يطول الحديث عنه . لأن التاريخ يمدنا بسيرة الطغاة قديماً و حديثأً ، وأن عدد الطغاة يفوق بكثير عدد الحكام الذين اتصفوا بالعدل ، وخلدتهم أعمالهم ، لذلك خلدتهم شعوبهم ، وهم قلة .
في كتابه ( الطاغية ) ، خصص الدكتور إمام عبد الفتاح إمام الفصل الثالث لعائلة الطغيان . يمهد المؤلف في حديثه عن هذه العائلة قائلاً :” أفراد هذه العائلة ” غير الكريمة ” ، كثيرون ، إذ يبدو أنها هي التي حكمت فترة طويلة من التاريخ “.
ومن ثم يعود إلى اليونان والطغيان الشرقي .أما عن أفراد عائلة الطغيان فقد صنفهم الأستاذ الدكتور إمام كالتالي :
– أولاً: الطغيان .. يقول :
- الطاغية رجل يصل إلى الحكم بطريق غير مشروع ، وهو لهذا :” يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم ، وهو يعلم أنه الغاصب والمعتدي ، فيضع كعب رجله في أفواه ملايين من الناس لسدها عن النطق بالحق ، والتداعي لمطالبته “—هذا ما يقوله عبد الرحمن الكواكبي في كتابه ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ).
- لا يعترف بقانون أو دستور ، وتصبح إرادته هي القانون الذي يحكم ، وما يقوله هوأمر واجب التنفيذ ، وما على المواطنين سوى السمع والطاعة .
- يسخّر كل موارد البلاد لإشباع رغباته أو ملذاته أو متعه ، وقد كانت بالفعل عند طغاة اليونان الأقدمين وكانت كذلك في الشرق القديم والوسيط أيضاً.
- ينفرد مثل هذا الحاكم بخاصية أساسية ، في جميع العصور ،وهي أنه لا يخضع للمساءلة ، ولا للمحاسبة ، ولا للرقابة من أي نوع ..
- رويدا ، رويدا يقترب الطاغية من التألّه .. ويكون قد حل فيه مرض جنون العظمة ، والأمثلة كثيرة من التاريخ القديم والحديث .
– ثانياً : الأستبداد ظهر مصطلح المستبد أول مرة إبان الحرب الفارسية الهيلينية في القرن الخامس قبل الميلاد . والفيلسوف أرسطوهو الذي أضاء عليه ووضحه وقابل بينه وبين الطغيان ، وقال إنهما ضربان من الحكم يعاملان الرعايا على أنهم عبيد .في القرن السادس عشر قارن ماكيافيللي بين الأستبداد والطغيان ، عندما قارن بين النظام الملكي في أوروبا ، والطغيان الشرقي في الأمبراطورية العثمانية .
– ثالثاً : الدكتاتورية ظهر مصطلح الدكتاتور أول مرة في عصر الجمهورية الرومانية ، يتمتع هذا الحاكم بسلطات استثنائية ، وتخضع له الدولة ، والجيش . وكان الدكتاتور يُختار من طبقة الأشراف لمدة محددة . لكن مصطلح ” الدكتاتورية ” في الاستخدام الحديث الذي يعني النظام الحكومي الذي يتولى فيه شخص واحد جميع السلطات ، ويُملي أوامره وقراراته السياسية ، وما على الشعب سوى الخضوع والطاعة . ويعتبر موريس دوفرجيه في كتابه ” في الدكتاتورية “أن الوباء الأكبر لانتشار النظم الدكتاتورية فقد ولد مع الثورة الفرنسية عام 1789 و لا تزال امتداداته حتى اليوم . ومما يجب ذكره هنا ، أن كارل ماركس أطلق هذا المصطلح على الطبقة العاملة ” دكتاتورية البروليتاريا “، أي حكم الطبقة العاملة المضطَهَدَة ، بدلا من حكم الدكتاتور الفرد .
– رابعاً : الشمولية وتعني الشمولية مذهب السلطة الجامعة ..وهو شكل من أشكال التنظيم السياسي يقوم على إذابة جميع الأفراد والمؤسسات والجماعات عن طريق العنف والإرهاب ، ويمثل هذا الكل حاكم واحد يجمع في يديه كل السلطات ، يطلق عليه ” القائد ” أو ” الزعيم ” .
– خامساً : السلطة المطلقة يعني مصطلح ” السلطة المطلقة “- الحكومة المطلقة .نظرياً وعملياً ، إو الحكومة التي لا يحدها حد من داخلها . والسلطة المطلقة تشبه الشمولية ..ومثال ذلك البونابرتية ، والقيصيرية ..
– سادساً : الأوتوقراطية تعني الحاكم الفرد الذي يجمع السلطة في يده ويمارسها على نحو تعسفي . وقد يكون هناك دستور ، وقد تكون هناك قوانين تبدو في الظاهر أنها تحد سلطة الحاكم أو ترشده ، غير أن الواقع أن الحاكم يقدر أن يبطلها إذا شاء أو يحطمها بإراداته .. مثلاً : حكام أباطرة الرومان في العهد البيزنطي .. قياصرة روسيا قبل الثورة الشيوعية ، وحكم ستالين بعد الثورة .
ويسأل أ. د. إمام عبد الفتاح إمام : ” أما كيف يمكن أن نتخلص من حكم الطاغية ؟ يجيب : ” فلا سبيل أمامنا سوى حل واحد هو أن نفعل ما فعل الغرب ، فنفر منه إلى الحكم الديمقراطي ، ونتمسك به ونحرص عليه .. ولابد أن نكون على يقين من أن الديمقراطية ممارسة ، وأنها تجربة إنسانية تصحح نفسها بنفسها ، وبالتالي لا بد أن نتوقع ظهور أخطاء في بداية المسيرة ، لكن ذلك لا يصح أن يقلقنا ، وليكن شعارنا : إن أفضل علاج لأخطاء الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية ” .
فما رأيكم دام فضلكم .. (موقع أخبار سوريا الوطن-١)