الثلاثاء, 1 يوليو 2025 10:58 AM

نظام التعويم المدار لليرة السورية: خطوة نحو الاستقرار أم تحديات جديدة؟

نظام التعويم المدار لليرة السورية: خطوة نحو الاستقرار أم تحديات جديدة؟

صرح محافظ مصرف سوريا المركزي، السيد عبد القادر حصرية، لصحيفة “فاينيشيال تايمز” بأن سوريا تتجه نحو تطبيق نظام التعويم المدار لعملتها المحلية. تهدف هذه الخطوة إلى تقليل تدخل الصرافين في سوق الصرف وتعزيز توحيد الأسعار النقدية.

أوضح السيد حصرية أن الخطة الجديدة تهدف إلى توجيه جميع عمليات التجارة الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي، مما يلغي دور الصرافين الذين كانوا يتقاضون حوالي 40 سنتًا عن كل دولار يدخل سوريا.

التعويم المدار (Managed Float) هو نظام لتحديد سعر الصرف يجمع بين الثابت والمرن. يسمح بتقلب سعر صرف العملة المحلية استجابة للعرض والطلب، مع احتفاظ البنك المركزي بحق التدخل للتأثير على السعر أو تخفيف التقلبات من خلال بيع أو شراء العملات الأجنبية.

تعتبر الاحتياطيات الأجنبية ضرورية لقدرة البنك المركزي على التدخل بفعالية. يهدف التعويم المدار إلى تحقيق التوازن بين مرونة واستقرار سعر الصرف، مما يسمح بالتكيف مع التغيرات الاقتصادية مع الحد من التقلبات المفرطة.

تعتمد فعالية هذا النظام على قدرة البنك المركزي على إدارة تدخلاته وتوفر احتياطيات كافية، بالإضافة إلى سياسات نقدية ومالية متسقة. يتطلب أيضًا بيئة اقتصادية مستقرة نسبيًا، وهو ما قد لا يتوفر في سوريا حاليًا.

الاقتصاد الذي يعاني من اختلالات هيكلية أو صدمات متكررة سيكون عرضة لتقلبات حادة في سعر الصرف، مما يجعل إدارة التعويم المدار أمرًا صعبًا. يتطلب النجاح نظامًا ماليًا قويًا وشفافًا وإصلاحات هيكلية مستمرة.

كما تلعب ثقة المستثمرين والمواطنين في السياسات الاقتصادية دورًا حاسمًا، ويتطلب بناء الثقة الشفافية والمصداقية والالتزام بالوعود الاقتصادية.

الأدوات المتبعة في سياسة التعويم المدار

يرتبط نجاح سياسة التعويم المدار بقدرة البنك المركزي على التدخل الفعال في السوق لتحقيق الأهداف الاقتصادية والنقدية. يجب أن يمتلك المركزي أدوات نقدية واقتصادية لضبط السوق النقدي في حال حدوث اختلالات كبيرة في أسعار الصرف، ومن أهم هذه الأدوات:

  1. عمليات السوق المفتوحة (Open Market Operations): يقوم البنك المركزي ببيع وشراء العملات الأجنبية. لدعم قيمة الليرة السورية، يبيع العملات الأجنبية ويسحب الليرة من التداول. ولخفض قيمة الليرة، يشتري العملات الأجنبية ويضخ الليرة في السوق.
  2. تغيير أسعار الفائدة (Interest Rate Adjustments): رفع أسعار الفائدة يزيد جاذبية الاحتفاظ بالليرة للمستثمرين الأجانب، مما يزيد الطلب عليها. خفض أسعار الفائدة قد يؤدي إلى خروج رؤوس الأموال وانخفاض قيمة العملة.
  3. الضوابط الرأسمالية (Capital Controls): قد يلجأ البنك المركزي إلى فرض قيود على تدفقات رأس المال للحد من التقلبات الحادة في سعر الصرف.
  4. التواصل والإرشاد (Communication and Guidance): يلعب التواصل الشفاف من قبل البنك المركزي دورًا مهمًا في توجيه توقعات السوق.
  5. تنظيم سوق الصرف الأجنبي (Foreign Exchange Market Regulation): يشمل وضع القواعد واللوائح التي تحكم عمل سوق الصرف، ومراقبة المتعاملين فيه.

التأثيرات المتوقعة على الاقتصاد السوري

يحمل تطبيق سياسة التعويم المدار في سوريا تأثيرات محتملة ومعقدة على الاقتصاد، خاصة في ظل الظروف الراهنة.

  1. استقرار سعر الصرف: من المتوقع أن يساهم التعويم المدار في تحقيق استقرار أكبر لسعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية.
  2. الحد من السوق السوداء: يهدف إلى القضاء على الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء للعملات الأجنبية.
  3. مكافحة التضخم: يمكن أن يساعد استقرار سعر الصرف في كبح جماح التضخم.
  4. جذب الاستثمارات: يمكن أن تساهم سياسة التعويم المدار في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
  5. مكافحة غسل الأموال: من خلال تمرير جميع عمليات التجارة الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي.

ولكن أيضًا لهذا النظام تأثيراته السلبية المتوقعة:

  1. استنزاف الاحتياطيات الأجنبية: قد يؤدي التدخل المستمر للبنك المركزي لدعم سعر الصرف إلى استنزاف الاحتياطيات الأجنبية.
  2. الحاجة إلى مؤسسات نقدية قوية: يتطلب نجاح التعويم المدار وجود مؤسسات نقدية قوية وشفافة.
  3. مخاطر التقلبات غير المرغوبة: في حال عدم قدرة البنك المركزي على التدخل بفعالية، قد تحدث تقلبات حادة.

ختامًا، إن نجاح سياسة التعويم المدار يعتمد على قوة البنك المركزي واستقلاليته، وتوافر الاحتياطات الأجنبية الكافية، وسياسات نقدية ومالية منسجمة. تمثل سياسة التعويم المدار خطوة مهمة للبنك المركزي السوري نحو إدارة أكثر مرونة لسعر صرف الليرة السورية. إذ تهدف هذه السياسة إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، مكافحة التضخم، والحد من السوق السوداء، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات وتشجيع التجارة الخارجية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه السياسة في السياق السوري يعتمد بشكل كبير على توفر مجموعة من الشروط الاقتصادية الأساسية، وقدرة البنك المركزي على إدارة التدخلات بفعالية.

مشاركة المقال: