عنب بلدي – مارينا مرهج
تتطلع الحكومة السورية الجديدة إلى رفع العقوبات عن نظام التحويل الدولي (سويفت) المفروضة على سوريا، باعتبار أن النظام المصرفي يشكل الدورة الدموية لأي اقتصاد، وتعطيله يعني تعطيل الاقتصاد بشكل عام، وفق ما ذكره وزير الاقتصاد والصناعة، محمد نضال الشعار.
الشعار خلال لقاء أجرته معه قناة "الشرق" الإماراتية، عقب تسلمه مهامه الوزارية بالحكومة السورية، في 29 من آذار الماضي، اعتبر أن رفع العقوبات لن يكلف الولايات المتحدة الأمريكية الكثير، ولكنه سيحدث فارقًا كبيرًا في مستوى الإنتاجية، وتحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا، بالإضافة إلى أن هذه الخطوة ستكون حافزًا للسوريين والحكومة السورية للتعامل بشكل أفضل مع المجتمع الدولي بشكل عام.
وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من العقوبات على عشرات الكيانات والأشخاص في سوريا، على إثر قانون "قيصر“، وشملت العقوبات منع المصارف العامة والخاصة في سوريا وعلى رأسها مصرف سوريا المركزي، من التعامل ضمن شبكة "سويفت" العالمية.
وحول أثر حرمان المصارف السورية من التعامل ضمن شبكة "سويفت" العالمية، وأهمية عودة سوريا للتعامل ضمن هذه الشبكة، توجهت عنب بلدي إلى عميد كلية الاقتصاد في جامعة "دمشق"، الدكتور علي كنعان، الذي تحدث عن الأثر السلبي للحرمان وانعكاساته.
تبييض أموال الأسد
منع تجديد العقوبات على سوريا، عام 2020، المصارف السورية من التعامل بشبكة "سويفت"، وبالتالي حُظِر على البنوك السورية التعامل مع البنوك العالمية، بحسب الدكتور علي كنعان، مشيرًا إلى أن الهدف من هذا الإجراء كان معاقبة نظام الأسد.
تسبب المنع في عرقلة تمويل المساعدات الدولية عبر البنوك، وكذلك تحويل الأموال وثمن المستوردات إلى الخارج عن طريق شركات تحويل ونقل الأموال، ما زاد التكلفة والخطر على المتعاملين، ورفع الأسعار حينها بين 40 و50%.
وانعكس غياب "سويفت" بشكل سلبي على التجار الحقيقيين في سوريا، إذ ظهرت شبكة من التجار الفاسدين لها ارتباطات وشراكة مع نظام الأسد، فوضها للتحكم بالأموال الداخلة والخارجة من وإلى سوريا، ليتحول هذا الإجراء من عقوبة إلى وسيلة لسرقة أموال الشعب السوري، بحسب وصف الدكتور كنعان.
واستغل نظام الأسد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على القطاع المصرفي، ليقوم بعملية تبييض الأموال، خاصة الأموال الناتجة عن عمله في تجارة المخدرات، فقام بنقلها عبر شركات الصرافة أو الطائرات إلى بنوك مغمورة غير معروفة، منها موجود في دولة أبخازيا، ليتم تحويلها من هناك إلى بنوك أوروبية وآسيوية على شكل ثمن بضائع.
وحصد نظام الأسد ورجاله ما يقارب 40% من حجم التحويلات الخارجية، نتيجة فرض إتاوات على التجار الحقيقيين، واستخدامهم في عمليات الاستيراد لتبييض الأموال الفاسدة الموجودة في الداخل.
وبلغ حجم التحويلات سنويًا، بحسب ما نقله عميد كلية الاقتصاد في جامعة "دمشق"، حوالي 2.5 مليار دولار من المغتربين إلى ذويهم في سوريا، وحوالي 4 مليارات دولار ثمن مستوردات من الخارج.
واعترف النظام السوري، في أيار 2018، بدولتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وأعلن إقامة علاقات دبلوماسية معهما.
اجتماعات شكلية وسرقة للمساعدات
عقد مصرف سوريا المركزي عددًا من الاجتماعات، عقب كارثة زلزال 6 من شباط 2023، لبحث إجراءات إعادة تفعيل نظام "سويفت" العالمي للحوالات المالية، في خطوة للاستفادة من استثناءات قانون العقوبات الأمريكي لجهود إغاثة منكوبي الزلزال في سوريا.
ووصف الدكتور علي كنعان الاجتماعات التي عقدت في تلك الفترة بالشكلية، وأن مصرف سوريا المركزي لم يعمل بشكل جدي لاستغلال الفرصة ورفع العقوبات عن النظام المصرفي، إذا لم يتبع هذه الاجتماعات أي إجراءات تطبيقية من قبل السلطات السورية السابقة.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية أصدرت ترخيصًا عامًا، يسمح بجميع المعاملات المتعلقة بالإغاثة من الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، لمدة 180 يومًا، والتي كانت محظورة بموجب لوائح العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري.
ورفض نظام الأسد الإجراءات التي فرضتها الولايات المتحدة، بعد زلزال شباط 2023، المتضمنة تخفيف قبضته الأمنية والعسكرية، والبدء بتبييض السجون وإجراء المحاكمات بحق المجرمين، إضافة لإيصال المساعدات إلى أهلها المتضررين، مقابل تخفيف العقوبات تدريجيًا حتى ستة أشهر، ومن بعدها زوال العقوبات بشكل نهائي.
وأدى استمرار النظام السابق بممارساته القمعية والتعسفية بحق السوريين، بالإضافة إلى سرقة المساعدات الإنسانية التي وصلت للمتضررين في ذلك الوقت، وإعادة بيعها وتصديرها إلى الخارج مقابل الحصول على قطع أجنبي، إلى توقف الولايات المتحدة الأمريكية عن فكرة رفع العقوبات عن سوريا.
نظام مصرفي مؤهل للعودة إلى "سويفت"
قال عميد كلية الاقتصاد في جامعة "دمشق"، الدكتور علي كنعان، إن النظام المصرفي في سوريا مؤهل بالكوادر والبنية التحتية ويمتلك أنظمة متطورة، تساعد في عودته للتعامل عبر نظام التحويل العالمي (سويفت) بشكل سريع.
وأكد كنعان أن عودة الشبكة العالمية ستساعد المستثمرين خارج سوريا على نقل جزء من أموالهم والبدء بالاستثمارات، وتشجع المغتربين على تحويل أموالهم إلى ذويهم بطرق أكثر أمانًا وأقل تكلفة، بالإضافة إلى أن هذا النظام يساعد على وصول المساعدات الاجتماعية والاقتصادية والصحية إلى سوريا.
ويملك السوريون أكثر من 250 مليار دولار أمريكي موظفة في الاستثمار خارج سوريا، وتوقع كنعان عودة ما يقارب 10% من هذه الأموال عند رفع العقوبات عن النظام المصرفي السوري، ما سيسهم في عودة عجلة الإنتاج في سوريا إلى الدوران، وانتعاش الاقتصاد السوري من جديد.
إعادة هيكلة
يتجه اتحاد المصارف العربية لإطلاق مشروعه المتعلق بإعادة هيكلة وتأهيل قطاع المصارف في سوريا، بشراكة أوروبية، وضمن برنامج عمل محدد يمتد لنحو ثلاث سنوات.
سيشمل المشروع تطوير البنية التحتية للقطاع المصرفي وتدريب وتأهيل الكوادر المصرفية بالتعاون مع البنك المركزي الألماني، بحسب ما أعلنه أمين عام اتحاد المصارف العربية، وسام فتوح، في 15 من شباط الماضي.
وقال الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو في تصريح سابق لعنب بلدي، إن سوريا تعاني خللًا كبيرًا في النظام المصرفي، وإن البنوك التجارية والزراعية والصناعية معظمها غير فعال، ما يستدعي إعادة هيكلتها ودمجها ببنك واحد.
ما نظام "سويفت"؟
"سويفت" اختصار لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (The Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunications)، وهي منظمة تعاونية لا تهدف للربح تقوم بتقديم خدمة المراسلات الخاصة بالمدفوعات المالية على مستوى عالٍ من الكفاءة وبتكلفة مناسبة.
بدأت فكرة "سويفت" في نهاية الستينيات مع تطور التجارة العالمية، وأنشئت المنظمة عام 1973 ومقرها الرئيس بلجيكا، وبدأ نشاطها عام 1977.
ويهدف هذا النظام إلى تقديم أحدث الوسائل العلمية في مجال ربط وتبادل الرسائل والمعلومات بين جميع أسواق المال، من خلال البنوك المسؤولة عن تنفيذ ذلك بمختلف الدول، وبذلك يتمكن المشترك من مقابلة احتياجات العملاء الأجانب والمحليين أيضًا.