الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 08:00 PM

أزمة المياه العالمية: هل يصبح العطش نمط حياة؟

أزمة المياه العالمية: هل يصبح العطش نمط حياة؟

دمشق-سانا: تتزايد الدلائل يوماً بعد يوم على أن العالم يقترب من نقطة اللاعودة في أزمة المياه. مع تسارع وتيرة التغير المناخي، وزيادة موجات الجفاف وحرائق الغابات وذوبان الجليد، لم يعد الحديث عن "خطر مستقبلي"، بل عن واقع ملموس يهدد الأمن الإنساني والغذائي والاقتصادي لمليارات البشر.

يشير تقرير الأمم المتحدة للمياه إلى أن أكثر من ملياري شخص يعيشون اليوم بدون الوصول المنتظم إلى مياه شرب آمنة، في حين تقدر الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الجفاف وحده بعشرات المليارات سنوياً، مما يجعل أزمة المياه التحدي الأخطر في عصر المناخ.

المياه في قلب أزمة المناخ

تتجلى العلاقة بين المياه وتغير المناخ في حلقة مفرغة من التأثيرات المتبادلة. فارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تسارع التبخر وتراجع مخزون الأنهار والبحيرات، بينما تتسبب الفيضانات والسيول المتكررة في تدمير البنى التحتية ومصادر المياه العذبة. ويحذر الخبراء من أن ثلثي سكان العالم قد يعيشون بحلول عام 2030 في مناطق تعاني من "إجهاد مائي حاد" إذا لم تتم مراجعة السياسات المائية بشكل جذري.

المياه في صدارة "COP30"

وسط تصاعد التحذيرات، يُعقد حالياً مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ "" في مدينة بيليم البرازيلية، حيث تتزايد الدعوات لوضع ملف المياه في صميم المفاوضات المناخية. ومن المتوقع أن يناقش المؤتمر آليات تمويل جديدة لدعم مشاريع إدارة المياه ومواجهة الجفاف في الدول النامية، وخاصة في إفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى توسيع مبادرة "العمل من أجل المياه والمناخ" التي أطلقتها الأمم المتحدة عام 2022. ويأمل الخبراء أن يكون المؤتمر محطة عملية لاكتشاف حلول واقعية لأحد أكثر الملفات التصاقاً بحياة الإنسان اليومية.

ندرة تتسع.. ومليارات بلا مياه مأمونة

تشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن حوالي 70% من المياه العذبة تُستهلك في الزراعة، مما يجعل الأمن الغذائي في صميم أزمة المياه. في المقابل، يعاني أكثر من ملياري شخص من غياب خدمات المياه النظيفة والصرف الصحي، في حين يواجه 3.5 مليارات شخص نقصاً موسمياً أو دائماً في المياه. هذه الأرقام لا تعكس فقط خللاً بيئياً، بل تهدد النمو والاستقرار في دول العالم النامي على وجه الخصوص.

أوروبا أمام واقع جاف

تواجه القارة الأوروبية، التي لطالما عُرفت بغناها بالأنهار والأمطار، اليوم مواسم جفاف غير مسبوقة. ففي فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان، تراجعت مستويات الأنهار الكبرى بشكل حاد، مما دفع العديد من الدول إلى إعلان خطط طوارئ لتقنين المياه. ويشير تقرير المفوضية الأوروبية إلى أن أكثر من 30% من الأراضي الزراعية في الاتحاد الأوروبي مهددة بالجفاف المستمر، مما ينعكس سلباً على الأمن الغذائي وقطاع الطاقة.

الشرق الأوسط.. الأكثر عطشاً

تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر مناطق العالم معاناة من شح المياه، إذ لا تمتلك سوى 1% من الموارد المائية المتجددة رغم أن سكانها يتجاوزون 5% من سكان العالم. وتشهد دول المنطقة تراجعاً حاداً في نصيب الفرد من المياه، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الطلب الزراعي والصناعي، مما دفع بعض الحكومات إلى اللجوء لحلول طارئة مثل تحلية مياه البحر وإعادة استخدام المياه المعالجة، لكن التحدي الحقيقي يكمن في الإدارة المستدامة والعدالة في توزيع الموارد.

سوريا.. عقد من الجفاف

تعاني سوريا منذ أكثر من عقد من تراجع واضح في الموارد المائية نتيجة التغيرات المناخية وتناقص كميات الأمطار وتكرار موجات الجفاف، مما أثر بشكل مباشر على الزراعة والإنتاج الغذائي، وخاصة في المناطق الشرقية والشمالية التي تعتمد على الزراعة المطرية. وتعمل الجهات المعنية على تنفيذ مشاريع لإعادة تأهيل شبكات المياه، وتحسين كفاءة الري، وتطوير محطات التحلية، بالإضافة إلى تشجيع المبادرات المجتمعية لترشيد الاستهلاك وحماية الموارد الجوفية.

الابتكار والتمويل.. الطريق نحو الحل

تتفق المؤسسات الدولية على أن الحل لا يكمن فقط في البحث عن موارد جديدة، بل في تحسين إدارة الموارد المتاحة. إذ يدعو البنك الدولي إلى اعتماد "تخزين المياه الهجين"، الذي يجمع بين السدود الاصطناعية والموارد الجوفية والأنظمة البيئية الطبيعية لضمان استدامة الإمدادات. كما تسعى دول عدة إلى توسيع استخدام تقنيات الزراعة الذكية وإعادة تدوير المياه في الصناعة، بينما تشجع الأمم المتحدة على تبني مقاربة "المياه من أجل السلام" لتفادي النزاعات المستقبلية حول الأنهار العابرة للحدود.

في عالم تتزايد فيه الحرائق والجفاف والعواصف، لم تعد أزمة المياه قضية بيئية فحسب، بل تهديد وجودي لأمن الإنسان واستقراره، فإما أن يتحرك العالم نحو إدارة عادلة ومستدامة للمياه، أو أن يجد نفسه قريباً أمام أول نزاعات القرن الحادي والعشرين التي تُشعلها قطرة ماء.

مشاركة المقال: