عنب بلدي – كريستينا الشماس
على الرغم من أهمية الحدائق المتزايدة في دمشق، لا يزال الكثير منها يعاني من الإهمال وتدهور البنية التحتية، وغياب الصيانة، ونقص الخدمات، وعوامل أخرى تقلل من جودة تجربة الزوار. تعتبر الحدائق العامة في دمشق ملاذًا للعديد من المواطنين الباحثين عن الترفيه والنزهات المجانية، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة وغلاء أسعار المطاعم والمقاهي التي أصبحت بعيدة عن متناول معظم العائلات السورية.
لم يتخلَّ السوريون عن عادة النزهة الأسبوعية، التي تقتصر على وجبة منزلية في إحدى الحدائق المنتشرة في العاصمة، في مساحة مناسبة للأطفال للعب وجلسات قد تستمر لساعات في مكان لا يكلف شيئًا. هذا التناقض بين الحاجة إلى الحدائق وواقعها المتدهور، يكشف عن حاجة ملحة إلى مشروع شامل يعيد الحياة إلى هذه المساحات الخضراء، بوصفها واجهة حضارية ومقصدًا للزوار.
ملاذ لفئات مختلفة
خالد الحريري (ستيني متقاعد) يعيش في منطقة أبو رمانة، قال لعنب بلدي، إنه يتردد على حديقة الجاحظ منذ أكثر من 20 عامًا، ويشكو من التغيير الكبير الذي طرأ على الحديقة. "زمان، كانت الحديقة مقصدًا لأخذ قسط من الراحة وقراءة الجرائد، أما الآن فأصبحت تعج بالصخب، وتجمع الشباب مع أراكيلهم، إضافة إلى انتشار الأوساخ في الحديقة معظم الوقت"، قال خالد.
وتحدثت فاديا عمران، ربة منزل تقيم في منطقة الفحامة بدمشق، أنها تأتي كل أسبوع تقريبًا إلى حديقة قريبة من مكان سكنها مع أطفالها الثلاثة، وتجلب معها بعض الأطعمة والشراب وتقضي بضع ساعات فيها. وترى فاديا في الحدائق ملاذًا لمحدودي الدخل، فوضعها المادي يمنعها من ارتياد مطاعم دمشق، التي تصل تكلفة أقل وجبة فيها إلى 100 ألف ليرة (10 دولارات وسطيًا)، بينما يقدر وسطي الرواتب بـ 50 دولارًا.
كما تشكو فاديا من قلة المساحة المخصصة للأطفال في الحديقة وتدهور مقاعد الجلوس وغياب أماكن مخصصة لدورات المياه، آملة أن يتحسن حال الحدائق عمومًا ويزيد الاهتمام بتخديمها بشكل أفضل.
وروت ريتا عبدو، وهي طالبة جامعية وتقيم في منطقة القصاع، أنها تفضل ارتياد حديقة في برج الروس مع أصدقائها في نهاية كل أسبوع، لكن الحديقة عبارة عن مساحة خضراء مهملة ولا يوجد فيها مقاعد للجلوس، عوضًا عن ذلك فهي مغلقة في كثير من الأحيان ولا يمكنهم دخولها ما يضطرهم للجلوس على أطراف الحديقة.
واقع يتطلب الاهتمام
تضم مدينة دمشق ما يقارب 177 حديقة مفتوحة موزعة في الأحياء السكنية، تختلف فيما بينها بالمساحة والخدمات المتوفرة، من أبرزها حديقة "تشرين"، وهي الأكبر مساحة، وحديقة "السبكي"، وحديقة "الجاحظ" في أبو رمانة، التي تعرضت مؤخرًا لحريق ألحق الضرر في قسم منها دون معرفة السبب وراءه.
نسبة قليلة من هذه الحدائق ما زالت محتفظة بالحد الأدنى من الخدمات، كمساحة قابلة للزيارة. وبحسب رصد عنب بلدي لحال هذه الحدائق، يعاني قسم كبير منها نقصًا في الخدمات الأساسية، كغياب دورات المياه العامة، وفي حال وجودها فهي غير نظيفة أو مغلقة معظم الوقت، عوضًا عن تراكم النفايات في أرجاء الحديقة خصوصًا في عطلة نهاية الأسبوع.
كما أن كثيرًا من المقاعد الخشبية متهالكة وغير صالحة للجلوس، ومعظم المصابيح مكسورة أو معطلة، ما يجعل الحديقة غير آمنة ليلًا، كما تفتقر معظمها لألعاب الأطفال أو أنها قديمة ومعطلة، ما يحرمهم من الاستمتاع الكامل بالمكان.
وبحسب شهادات الأهالي الذين قابلتهم عنب بلدي، فإن بعض الحدائق تستخدم ليلًا كمكان لتجمعات غير مضبوطة، ما يقلل من الإحساس بالأمان. يعكس واقع الحدائق غياب نظرة استراتيجية للمرافق العامة التي تتطلب إعادة تأهيلها، وليس الاكتفاء بها كمجرد مساحة مزروعة.
خطط مرتقبة
مشرف مديريات الحدائق والنظافة في مديرية نظافة دمشق، صبري عباس، قال لعنب بلدي، إن هناك خططًا لإعادة تأهيل جميع الحدائق في دمشق بما فيها حديقة "الجاحظ"، وفقًا لمخططات مدروسة تسهم في تقديم الحدائق بالشكل النموذجي.
وفيما يخص الميزانية المالية المخصصة لمشاريع إعادة تأهيل الحدائق، أشار عباس إلى أن مديرية النظافة تقوم برفع دراسات تقريبية لكل حديقة على حدة، بما فيها الميزانية، إلى محافظة دمشق.
وأوضح عباس أن معايير اختيار الحدائق التي ستخضع لإعادة تأهيل تتجلى في تحديد عدد زوارها ومدى الإقبال عليها، والمساحة الخضراء.
وبيّن عباس أن هناك دراسات ستنفذها المحافظة، وأخرى ستطرح ضمن مناقصات على القطاع الخاص، وقسم آخر سيوضع ضمن الاستثمار مقابل إعادة تأهيله.