الأحد, 17 أغسطس 2025 11:43 PM

استراتيجيات إسقاط الوهم الانفصالي: من الشرق السوري إلى الجنوب

استراتيجيات إسقاط الوهم الانفصالي: من الشرق السوري إلى الجنوب

في الشرق السوري، لا يوجد ما يغري القوى الدولية أكثر من كيان يقدم نفسه كضرورة وحيدة أو يفرض وجوده كوظيفة لا بديل عنها. هكذا ولدت مشاريع الانفصال واستمرت، ليس لقدرتها الذاتية على البقاء، بل لإتقانها لعبة الحاجة الدولية والإقليمية إليها. الخطأ الأكبر هو مواجهتها بالصدام المباشر، لأنه يفتح لها أبواب الشرعية الخارجية ويمنحها مادة للترويج بأنها المستهدفة ظلماً. الطريق الأذكى والأكثر رسوخاً هو تجريدها من مبرراتها وإزاحة الغطاء عن الوظيفة التي تعطيها قيمتها.

في الشرق السوري، لا يقوم مشروع قسد على سحر سياسي أو عبقرية تنظيمية، بل على ثلاث ركائز متداعية: ورقة مكافحة الإرهاب، وموارد النفط والغاز التي تستثمر خارج أي إطار شفاف، وشبكة خدمات محلية بدائية تحاول تقليد الدولة. إذا ما أُغلق ملف داعش فعلياً بجهد وطني محسوب، وإذا ما أُعيدت إدارة الموارد لتكون مجال شراكة ومساءلة، وإذا ما قُدّمت خدمات ملموسة في حياة الناس اليومية، عندها تتحول قسد من ورقة رابحة إلى ورقة محروقة.

أما في الجنوب، فإن معادلة السويداء مختلفة لكنها لا تقل خطورة. فقد أُبقِيَت في موقع الحياد المراقب، لا هي جزء كامل من المسار الوطني ولا هي مشروع انفصالي معلن. إنها معادلة إدارة عن بعد واحتكار رمزي للزعامة يعيد تدوير العجز نفسه. كسر هذه الحلقة يتطلب ولادة قيادة جديدة نابعة من نبض المجتمع المحلي ومتصلة بالمسار الوطني الجامع. عندها فقط تخرج السويداء من خانة المنطقة المحايدة لتصبح شريكاً فاعلاً في تحديد المصير الوطني العام.

واشنطن وتل أبيب لا تنشغلان بأسماء اللاعبين بقدر ما تنشغلان بالوظيفة: من يضمن أمن الحدود، ومن يضبط موازين القوى، ومن يمنع طرفاً من السيطرة الكاملة هو المؤهل للدعم. هذه هي القاعدة الصلبة، لكنها تحمل ثغرتها. إذا برز بديل محلي أو وطني يضمن تلك الوظائف بكلفة أقل وصورة أكثر قبولاً وشرعية أرسخ، فإن خريطة الأوراق تتغير وتفقد المشاريع الانفصالية جدواها.

المعارك المصيرية لا تكسب بضجيج الإعلام، بل بعمل هادئ يلتقط العقدة من مكانها ويعيد شد الخيوط كلها بيد مشروعية محلية غير قابلة للكسر. حينها فقط ينتقل مركز القرار من موقع التبعية إلى موقع القوة، وينهار المشروع الانفصالي لأنه فقد وظيفته وانتهت صلاحيته.

بقلم: عبد الله عبدون

مشاركة المقال: