في ظل الفوضى الأمنية والتحديات الاقتصادية التي تشهدها سوريا، وبالتزامن مع تداعيات الأزمة، تفاقمت بشكل ملحوظ ظاهرة التنقيب غير القانوني عن الآثار والذهب في مختلف المحافظات، بما في ذلك محافظة طرطوس. هذه الظاهرة تهدد التراث الثقافي السوري وتتسبب في أضرار بيئية واجتماعية، مما يدفع ناشطين إلى المطالبة المستمرة باتخاذ إجراءات رادعة من قبل الإدارة الحالية.
تعرضت العديد من المواقع والمباني الأثرية في طرطوس، خلال الأشهر الأخيرة، لأعمال تخريب وسرقة وتنقيب غير مشروع، من قبل أفراد استغلوا الأوضاع العامة في المنطقة. كما انتشرت أعمال الحفر بهدف التنقيب عن الآثار في مواقع متعددة بالمحافظة، مما يستدعي تضافر الجهود الدولية والمحلية لاستعادة القطع الأثرية المهربة وحماية ما تبقى من التراث السوري.
جهود لضبط الظاهرة
أوضح رئيس دائرة الآثار في طرطوس، التابعة للمديرية العامة للآثار والمتاحف، مروان حسن، أن محافظة طرطوس تضم مئات المواقع والمباني الأثرية والتراثية، مما يضع على عاتق دائرة الآثار مسؤوليات كبيرة لحماية هذه المواقع ومنع التعدي عليها. وأضاف أنه تم توزيع المراقبين الجوالين والحراس على شكل قطاعات إدارية ضمن الحدود الإدارية للنواحي في المحافظة، والتي يزيد عددها على 30 قطاعًا، مما ساهم في ضبط ومنع التعديات على تلك المواقع وتخريبها.
وأشار حسن إلى أن "ضعاف النفوس والمخربين" استغلوا الأوضاع الأمنية وقاموا بأعمال التعدي والتخريب في العديد من المواقع، بعضها لا يحوي أي دلالات أثرية ظاهرة، ولكن بهدف التنقيب عن الآثار، وهو أمر مخالف لقانون الآثار الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 222 لعام 1963.
ووفقًا لمنهجية العمل المتبعة وتوجيهات المديرية العامة، تقوم دائرة آثار طرطوس بالتنسيق مع أقرب وحدة شرطية في المنطقة التي ترد منها معلومات حول التعديات، للكشف على الموقع، ومن ثم مخاطبة الجهات المختصة رسميًا لتنظيم الضبط اللازم وإجراء التحقيقات ومتابعة الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
تحديات وصعوبات
من أبرز التحديات والصعوبات، بحسب رئيس دائرة الآثار في طرطوس، ضعف الوعي العام بقيمة وأهمية التراث الثقافي السوري. وأكد أن تضافر الجهود بين السلطات الأثرية والمجتمع المحلي والسلطات التنفيذية والأمنية، يعتبر عاملاً أساسيًا في منع وردع هذه الظاهرة. ولفت إلى أهمية تعميم وزارة الداخلية الصادر في 29 من تموز الماضي، والذي يدعم منع وضبط أعمال التنقيب غير المشروع عن الآثار أو تخريبها، من خلال تكثيف الدوريات لمراقبة المواقع الأثرية، وتأثير وحدات الأمن الداخلي المباشر والفعال عبر تقديم المؤازرة اللازمة والفورية للسلطات الأثرية في مكافحة الجرائم المنصوص عليها في قانون الآثار.
بوابات للمتاجرين على “فيسبوك”
وحول المجموعات التي تنتشر عبر مواقع التواصل لتسويق الآثار وبيعها أو حتى التسويق لمعدات التنقيب، وحجم التنسيق مع الجهات المعنية لكشف هذه الشبكات، أكد رئيس دائرة الآثار في طرطوس أن هذا الأمر بالغ الخطورة ما لم تتم معالجته والحد منه باعتباره مخالفًا لقانون الآثار. وأضاف أن تعميم وزارة الداخلية الأخير بيّن حجز الآلات والمعدات المستخدمة في أعمال التنقيب عن الآثار، وإلقاء القبض على الفاعلين وتقديمهم إلى الجهات القضائية المختصة، مشيرًا إلى أن التنسيق لمراقبة هذه المجموعات وكشف الشبكات يأتي على مستوى المديرية العامة للآثار والمتاحف التي تعمل بشكل مستمر مع الجهات المختصة لمعالجة هذا الأمر.
وفي عام 2020، حظر “فيسبوك” بيع الآثار التاريخية على منصته، وأعلن أنه سيُزيل أي محتوى ذي صلة. ومع ذلك، نادرًا ما تُطبّق هذه السياسة، على الرغم من توثيق عمليات البيع المستمرة عبر المنصة، إذ يُلاحظ وجود عشرات مجموعات تجارة الآثار كبوابة للمتاجرين، والتي تضم الآلاف من الأعضاء.
جرد وتوثيق للتعديات وخطط للترميم
ذكر رئيس دائرة الآثار في طرطوس، أنه يجري جرد وتوثيق للمواقع التي شهدت تعديات وتنقيبًا غير مشروع ضمن المحافظة من خلال تقارير المراقبين الجوالين والكتب الرسمية التي يتم توجيهها إلى الجهات المختصة. وعن عودة عمل البعثات، قال حسن، إن هذا الأمر يكون من خلال رؤية الإدارة المركزية المتمثلة بالمديرية العامة للآثار والمتاحف ووزارة الثقافة.
وعلى صعيد الخطة لترميم المواقع الأثرية، وهل من مساعٍ قريبة بهذا الخصوص، رد حسن أن الدائرة في طرطوس تقوم بإعداد خطة الترميم حسب الأولوية، بالتنسيق مع المديرية العامة للآثار والمتاحف، وبحسب توفر الموازنات المالية اللازمة للتنفيذ، مبينًا أنه في بداية عام 2025 تم استكمال وإنهاء أعمال الترميم التي كانت جارية خلال عام 2024. واستكملت أعمال الترميم في قلعة المرقب- برج قلاوون الجنوبي، بالإضافة إلى استكمال مشروع أعمال الترميم والتأهيل والتطوير في جزيرة أرواد وجزء من قلعتها بتمويل من وزارة السياحة ومشاركة دائرة آثار طرطوس في إعداد الدراسة والإشراف على التنفيذ، وفق حسن.
وأشار رئيس دائرة الآثار، إلى أن لديهم عدة دراسات ترميمية سبق أن تم إعدادها، إذ تحتاج إلى إعادة دراسة للأسعار وفق السعر الرائج حاليًا، في حال تم رصد الاعتمادات اللازمة من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف.