الإثنين, 22 سبتمبر 2025 01:23 PM

اعترافات غربية متزايدة بفلسطين: هل توقف الإبادة الجماعية في غزة؟

اعترافات غربية متزايدة بفلسطين: هل توقف الإبادة الجماعية في غزة؟

بعد مرور عامين تقريبًا على بدء الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة، بدأت دول غربية بالاعتراف الرسمي بدولة فلسطين. وشهد يوم أمس اعترافات متتالية من دول مثل بريطانيا وأستراليا وكندا، ومن المتوقع أن تنضم إليها إسبانيا وفرنسا والنرويج وسلوفينيا والبرتغال وغيرها.

على الرغم من وصف هذه الخطوة بالـ "تاريخية" والمتأخرة جدًا، إلا أن تأثيرها العملي قد لا يكون كافيًا للردع، ولن توقف الإبادة والتهجير والقتل والتدمير.

ما هو معنى هذا الاعتراف؟ ولماذا لم تقدم الدول المذكورة على هذه الخطوة سابقًا؟ ولماذا لا يردع هذا الإجراء إسرائيل عن مواصلة عملياتها التي بدأتها منذ عامين؟ الإجابة المختصرة هي أن هذا الاعتراف يبرر استمرار دعم إسرائيل في حربها على غزة، وليس اعترافًا بحق الفلسطينيين في دولة أو لردع إسرائيل.

يبدو أن أحد أهداف هذا الإعلان هو المساهمة، ولو بشكل رمزي، في إعادة بعض التوازن المفقود إلى الخطاب الرسمي الغربي، بعد أن أصبح الدعم الغربي لإسرائيل عاريًا تمامًا من أي غطاء أخلاقي.

من الناحية النظرية، يعني الاعتراف الدبلوماسي بفلسطين الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وفتح الباب أمام عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، وتمكينها من مقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، والسماح بإقامة علاقات دبلوماسية رسمية معها. ومع ذلك، فإنه لا يغير شيئًا من الناحية العملية في واقع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية: فهو لا يوقف الاستيطان المتسارع، ولا يعيد القدس إلى الفلسطينيين، ولا يمنع إسرائيل من قصف غزة، ولا يعيد اللاجئين إلى ديارهم، ولا يلزم تل أبيب بتمكين الدولة الفلسطينية نفسها محل الاعتراف الغربي، ولا بتطبيق أي من قرارات الشرعية الدولية. إنها خطوة دبلوماسية ستسجل في السجلات الرسمية للدول، وليس في موازين القوى على الأرض.

الأسباب الكامنة وراء الاعتراف ودوافعه الحقيقية هي أولاً ضغط الرأي العام العالمي الذي يشاهد إبادة جماعية على الهواء مباشرة منذ نحو عامين. هذه المشاهد، على الرغم من محاولات قمعها، تحدث هزات أخلاقية لدى الشعوب تستدعي من الأنظمة مواجهتها عبر خطوات لا تؤدي إلى ضغوط عملية على إسرائيل.

يبدو أن الغرب معني أيضًا بتخفيف ردود الفعل داخل العالم الإسلامي، حيث تخشى الأنظمة الغربية موجات غضب جديدة قد تضر بمصالحها في العالم الإسلامي. وهكذا، يصبح الاعتراف بفلسطين خطوة لتهدئة الشارع الإسلامي، وهدية إلى الأنظمة العربية والإسلامية، بأنه هناك تحركًا ما يحدث ضد الاحتلال، ولكن دون المساس بالمصالح الفعلية لإسرائيل والعلاقة معها.

ما تقدم يعني أن الخطوة تكتيكية وليست استراتيجية، لأن الدول التي أعلنت اعترافها تواصل تعاونها الأمني والاقتصادي مع إسرائيل، ولا تقطع عنها السلاح والذخيرة، ولا تجمد الاتفاقات المهمة معها، والأهم أنها لا تفرض عقوبات عليها. فإسبانيا مثلًا، قررت إلغاء اتفاقات السلاح مع الكيان الإسرائيلي، لتعود بعد أشهر وتقرر أن تسرع من خطوات تنفيذ الإلغاء، ولاحقًا ربما، تقرر «الإلغاء عن جدّ».

كيف تنظر إسرائيل إلى هذه الخطوات؟ تصف الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو ووزرائه المتطرفين، الاعتراف الغربي بفلسطين بأنه «استسلام للإرهاب»، في إشارة منها إلى أنها لن تنكفئ أو تغير استراتيجياتها. وهكذا، تتجاهل إسرائيل «الحركات المزعجة»، كما يرد في التعبيرات العبرية، للدول الغربية. لكنها، في المقابل، لا تجمد أي علاقات دبلوماسية مع الدول المعترفة بفلسطين، ولا توقف أي تعاون أمني أو اقتصادي معها، كما أنها لم تبد خشية من أي تبعات قانونية أو سياسية، لأنها تدرك الأسباب والمنطلقات والأهداف وراء هذه الخطوة، وتدرك أيضًا أنها لن تترجم لاحقًا أو تعقبها عقوبات رادعة.

في الخلفية، تتحرك إسرائيل ضمن معادلة تراها لا تقهر: ما دامت الولايات المتحدة تقف إلى جانبها، فهي فوق القانون وفوق المحاسبة، ويمكنها فعل ما تريد بلا تبعات جدية؛ فأي قرار أممي ضد إسرائيل سيواجه أميركيًا؛ ولو اعترفت 150 دولة بفلسطين، فلن تقبل عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة من دون رضى الولايات المتحدة.

إن ردع الغرب لإسرائيل يتطلب ثلاث ركائز – كلها مفقودة: القدرة على العقاب، وجود إرادة سياسية فعلية، وقدرة إسرائيل على تجاوز التبعات، لأنها تدرك أن الغرب إن تحدث، فلن يفعل، وإن قرر الفعل سيؤجل التنفيذ، أو يلجأ إلى الأفعال الشكلية، كما هي الحال في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

أهمية هذه الخطوات ليست في ذاتها، بل في الأسباب التي دفعت الدول الغربية إليها. لم تعد إسرائيل في الوعي الجمعي للشعوب الغربية هي الضحية، بل قوة احتلال، وهناك مطالبات غير مسبوقة لفرض المساءلة القانونية عليها. هذه الإجراءات لا تنتج عقوبات فورية رادعة لإسرائيل، ولكنها تؤسس لتآكل شرعيتها والموقف العام منها. وإلى أن تكتمل المسببات لتغيير الموقف الغربي الحقيقي من الاحتلال، فقد لا يكون هناك فلسطينيون للاستفادة من تغيير الموقف الغربي. إسرائيل لا تقلقها الاعترافات بفلسطين، بل هي تخشى قطع السلاح والمال عنها، وفرض العقوبات، ومحاكمة الجنرالات، والأهم تغيير الموقف الأميركي.

مشاركة المقال: