الخميس, 10 يوليو 2025 12:49 AM

اكتشاف أثري فريد: "العقاب السوري" أقدم هوية بصرية في تاريخ الحضارة السورية يعود إلى 10 آلاف عام

اكتشاف أثري فريد: "العقاب السوري" أقدم هوية بصرية في تاريخ الحضارة السورية يعود إلى 10 آلاف عام

دمشق-سانا: في قلب المتحف الوطني بدمشق، ضمن كنوز قاعة ما قبل التاريخ، تستقر قطعة بازلتية صغيرة، لا تتعدى 5 سنتيمترات عرضًا، تحمل على سطحها قصة تعود إلى أكثر من 10 آلاف عام. تكشف هذه القطعة عن واحدة من أقدم المحاولات البشرية للتعبير الرمزي والفني في منطقة الشرق الأدنى، وهي حكاية "عقاب الجرف الأحمر".

تم اكتشاف هذه القطعة في موقع تل الجرف الأحمر، ويعود تاريخها إلى حوالي 8500 قبل الميلاد. تمثل هذه القطعة الأثرية شاهدًا بالغ الأهمية على بدايات الفكر الرمزي لدى الإنسان في هذه المنطقة. على الرغم من كسر الجزء السفلي منها، تعرض القطعة مشهدًا مركبًا ومحفورًا بدقة لافتة لعقاب، مع الأخذ في الاعتبار الأدوات الحجرية البسيطة التي كانت متاحة في ذلك العصر.

إن وجود الطائر الجارح في قمة التكوين الفني ليس مصادفة على الأغلب، فالصقور والعقبان، بقوتها وقدرتها على التحليق عالياً، ارتبطت في حضارات الشرق الأدنى اللاحقة بمفاهيم القوة والسيادة والألوهية.

يؤكد الدكتور عمار النهار أن "العقاب السوري" هو أول هوية بصرية في تاريخ سوريا الحضاري، وهو ذاته العقاب الذي عثر عليه الآثاريون في حلب وأوغاريت وعمريت ودمشق، وهو نفسه أيضاً الذي أصبح شعاراً للجمهورية العربية السورية. ويشير إلى أن العقاب كان أحد آلهة السوريين القدماء، وكرّس له معبد النسرين في حلب. ولا يزال الفلاح السوري حتى اليوم يسمّي الغيمة الماطرة "حدادة حلبية"، نسبةً إلى "حدد" إله البرق والرعد والصاعقة، ومن رموزه العقاب والرمانة.

وحول عقاب حلب، يوضح النهار أنه ارتبط بملحمة البعل، حيث صوّر ناشر الجناحين وله رأس أسد، تعبيراً عن الزئير والقوة، في مزيج بصري فريد من نوعه.

وحول جدارية العقاب في تدمر، يبين الدكتور النهار أن أجدادنا التدمريين نحتوا العقاب على جدران معابدهم قبل آلاف السنين، وقد اقتبس مستشرق ألماني هذا الرسم ونقله إلى ألمانيا، ثم انتشر في أوروبا ليُستخدم كرمز للقوة التجارية والمنافسة. ويشير الدكتور النهار إلى أن حضارة تدمر بدأت تقريباً في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، بينما عمر بعض الشركات الألمانية التي تستخدم شعار العقاب السوري لا يتجاوز 100 عام فقط، وبالتالي لا يُمكن الطعن في أصالة الهوية البصرية السورية.

الباحث والمؤرخ عامر رشيد مبيض، في كتابه موسوعة آثار حلب عبر العصور، يُشير إلى أن العقاب ظهر ناشر الجناحين في عصور ما قبل التاريخ كرمز للسحابة الممطرة منذ الألف الثامنة قبل الميلاد، وإلى قرص الشمس كرمز ديني، حيث كان الإنسان السوري القديم يتخيّل أن للشمس جناحين.

الدكتورة منار حمادي، من كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، قسم التصميم الغرافيكي والملتميديا، تقدّم رأياً مختلفاً حول الهوية البصرية، تؤكد فيه أنها لوغو عصري يحمل طابع الحداثة، ومصمم بمنتهى الأناقة، والألوان مختارة بعناية فائقة، وشكله الفني جميل. وأشارت حمادي إلى أن الاستخدامات الوظيفية المتعددة للشعار تحتاج إلى إيجاد علاقة بنيوية بين العقاب والنجوم فوقه، مثمنة الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل فريق العمل لإظهاره بهذه الصورة الجميلة.

مشاركة المقال: