السبت, 9 أغسطس 2025 08:50 PM

اكتشاف مذهل: نيرودا يكشف الوجه المرح والبهيج لشاعر الأندلس لوركا

اكتشاف مذهل: نيرودا يكشف الوجه المرح والبهيج لشاعر الأندلس لوركا

سمير عطا الله: «اكتشاف مذهل» ليس للأدب العالمي فحسب، بل لكل قارئ عادي تأثر بأعمال كل من لوركا ونيرودا. على الرغم من مكانة نيرودا الأكبر في الأدب العالمي، يظل لوركا علماً بارزاً في الملحمة الشعرية الإسبانية. أليس من المدهش أن نعرف من نيرودا أن صديقه، الذي عرف بالحزن، كان في الواقع شخصاً كوميدياً، ضاحكاً، ومفعماً بالفرح وحب الحياة؟ هذا الجانب من مذكراته سيثير دهشتكم.

يذكر نيرودا: «في إحدى الأمسيات، كان لدينا موعد مع لوركا، لكنه لم يحضر. كان على موعد مع الموت على يد رجال فرانكو. لم نلتقِ بعدها أبداً. كانت تلك أيضاً بداية الحرب الأهلية الإسبانية، ليلة اختفاء الشاعر.»

ويضيف: «يا له من شاعر! لم أرَ في شخص آخر هذا الجمع بين الرقة والعبقرية، والقلب المجنح والشلال البلوري. كان فيديريكو غارسيا لوركا يتمتع ببهجة آسرة، ولدت في قلبه شغفاً بالحياة، وأشعها ككوكب. كان صريحاً ومضحكاً، عالمياً ومحلياً، موهوباً موسيقياً استثنائياً، وممثلاً صامتاً رائعاً، سريع الانفعال ومؤمناً بالخرافات، متألقاً ونبيلاً. كان مثالاً لإسبانيا عبر العصور، لتقاليدها الشعبية، ومن أصول عربية-أندلسية. أضاء وعَبِقَ مثل الياسمين مسرح إسبانيا التي، للأسف، رحلت إلى الأبد. أغرتني مهارة غارسيا لوركا الفذة في استخدام الاستعارات، وجذبتني كل كتاباته. من جانبه، كان يطلب مني أحياناً أن أقرأ له أحدث قصائدي، وفي منتصف القراءة كان يقاطعني صارخاً: توقف، توقف، أنت تؤثر عليّ!».

يتابع نيرودا: «في المسرح وفي الصمت، في الحشد وفي المجموعة الصغيرة، كان يبدع الجمال. لم أعرف أبداً أي شخص آخر لديه مثل هذه الأيدي السحرية، ولم يكن لدي أبداً أخٌ يحب الضحك أكثر منه. كان يضحك، ويرقص، ويعزف على البيانو، ويقفز، ويبتكر، وكان متألقاً. يا له من صديق مسكين، كانت لديه كل المواهب الطبيعية، وكان صائغاً، ونحلة في خلية الشعر العظيم، لكنه كان يهدر موهبته الإبداعية أحياناً.»

ويروي: «ذات مرة ألقيت محاضرة عن غارسيا لوركا، بعد سنوات من وفاته، وسألني أحد الحاضرين: «في قصيدتك «أودا إلى فيديريكو غارسيا لوركا»، لماذا تقول إنهم يطلون المستشفيات باللون الأزرق من أجله؟»

«انظر يا صديقي»، أجبت، «طرح هذا النوع من الأسئلة على شاعر يشبه سؤال امرأة عن عمرها. الشعر ليس مادة ثابتة، بل تيار متدفق غالباً ما يهرب من بين يدي المبدع نفسه. تتكون مادته الخام من عناصر موجودة وغير موجودة في الوقت نفسه، من أشياء قائمة وغير قائمة.»

«على أي حال، سأحاول أن أقدم لك إجابة صادقة. بالنسبة لي، الأزرق هو أجمل الألوان. إنه يوحي بالفضاء كما يراه الإنسان، مثل قبة السماء، التي ترتفع نحو الحرية والفرح. كان وجود فيديريكو، وسحره الشخصي، يبعثان جواً من الفرح حوله. ربما تعني سطري أن حتى المستشفيات، وحتى حزن المستشفيات، يمكن أن تتحول بفعل سحر تأثيره، وتصبح فجأة مباني زرقاء جميلة.»

ويختتم نيرودا: «كان فيديريكو يشعر بحدس وفاته. ذات مرة، بعد عودته من جولة مسرحية، اتصل بي ليخبرني عن حادثة غريبة. كان قد وصل مع فرقة «لا باراكا» إلى قرية نائية في قشتالة، وأقام مخيماً على أطراف البلدة. كان فيديريكو متعباً للغاية بسبب ضغوط الرحلة، ولم يستطع النوم. نهض عند الفجر وخرج للتجول بمفرده. كان الجو بارداً، ذلك البرد القارس الذي تخصصه قشتالة للمسافرين، للأجانب. انقسم الضباب إلى كتل بيضاء، مما أعطى كل شيء بُعداً شبحياً.»

إلى اللقاء…

مشاركة المقال: