الأتارب، المدينة الواقعة في ريف حلب الغربي، لم تكن مجرد نقطة جغرافية عادية، بل مثلت شريانًا حيويًا يربط معبر باب الهوى الحدودي بمدينة حلب، ما جعلها بوابة حيوية للتجارة وحركة البضائع قبل الثورة السورية. مع انطلاق الحراك الشعبي عام 2011، تحولت الأتارب إلى واحدة من أبرز رموز الثورة، ولعبت دورًا محوريًا في مقاومة النظام السوري والتنظيمات المتطرفة، لتدفع لاحقًا ثمن موقعها وأهميتها عبر موجات قصف ونزوح متكررة.
من المظاهرات إلى العمل المسلح
وفي حديث خاص إلى منصة “سوريا 24″، يستذكر عامر الفج، شقيق الشهيد أحمد الفج، بدايات الحراك الثوري في المدينة، وأكد أن أبناء الأتارب خرجوا منذ الأيام الأولى للمطالبة بالحرية والكرامة، لكنهم واجهوا قمعًا عنيفًا من أجهزة النظام، مما دفع الحراك إلى التحول التدريجي نحو العمل المسلح. وأوضح الفج أن لحظة انشقاق الشهيد أحمد الفج ورفاقه خلال مظاهرة حاشدة في 12 شباط 2012، شكلت نقطة تحول بارزة في مسيرة المدينة الثورية. وأشار إلى أن المقاومة في بداياتها كانت بدائية للغاية، حيث تصدى الأهالي للأرتال الأمنية بالحجارة والمولوتوف، ما أسفر عن سقوط شهداء، أبرزهم عبد الله الفج. وأضاف أن قوات النظام اقتحمت الأتارب لاحقًا، وارتكبت عمليات قمع ممنهجة، قبل أن ينجح شباب المدينة في تنظيم معركة تحرير كبرى، قادها الشهيد النقيب مصطفى عبد الرزاق، الذي ارتقى خلال المواجهات المباشرة.
قصف ممنهج ونزوح قاسٍ
وأشار عامر الفج، خلال حديثه إلى “سوريا 24″، إلى أن الأتارب بعد التحرير دخلت في مرحلة جديدة من المعاناة نتيجة القصف اليومي العنيف، خصوصًا من الفوج 46، ما تسبب بمجازر مروعة، أبرزها مجزرة سوق المدينة.
وبيّن أن النزوح من الأتارب مر بمرحلتين رئيسيتين: بداية عام 2012 حين استقبلت القرى المجاورة الأهالي، ثم في 2020 مع تصاعد الهجمات، حيث نزح السكان قسرًا إلى مخيمات سرمدا وأعزاز والباب وعفرين وجنديرس، وسط ظروف إنسانية قاسية. ورغم ذلك، شدد محمد على أن الأتارب استطاعت تقديم نموذج مدني مميز، ورفضت كل محاولات الاستبداد سواء من النظام أو من تنظيم داعش.
مقاومة حرفت مسار الثورة
من جانبه، أشار الناشط محمد شاكردي، في حديثه لمنصة “سوريا 24″، إلى أن شباب الأتارب لعبوا دورًا كبيرًا في حماية الثورة من محاولات التشويه والانحراف، ووقفوا سدًا منيعًا ضد كل المشاريع الإيدلوجية. وأوضح شاكردي أن حملة “لا لتهميش الأتارب” التي نظمها ناشطون قبل سقوط النظام بأسابيع، جاءت لتسليط الضوء على أهمية المدينة الثورية ودورها السياسي والاجتماعي. وأكد أن الأتارب كانت الشرارة الأولى لمقاومة تنظيم داعش في ريف حلب الغربي، حيث شن الأهالي عملية عسكرية شعبية انتهت بتحرير المدينة خلال 24 ساعة، واستمرت المعارك لمدة شهرين حتى طُرد التنظيم من كامل القرى المحيطة. وأضاف أن مقاومة التنظيم تمت رغم استخدامه المفخخات والانتحاريين، ما يؤكد صمود الأهالي وإصرارهم على حماية مدينتهم وهويتهم الثورية.
تراجع الواقع الخدمي والمطالب الملحة
وحول الواقع الاقتصادي، دعا عبد القادر أحمد، أحد وجهاء المدينة، في تصريح لـ”سوريا 24″، إلى ضرورة دعم الأتارب اقتصاديًا وإعادة تنشيط مؤسساتها الحكومية. وأشار إلى أن المدينة كانت قبل الثورة بوابة حلب الاقتصادية ومركزًا نابضًا بالتجارة، لكنها اليوم تعاني من تراجع شديد رغم بعض التحسن المحدود في المنطقة الصناعية ووسط السوق.
وأكد عبد القادر أهمية إعادة تفعيل الدوائر الحكومية، مثل الزراعة والدخل العام، وتأمين الاحتياجات الأساسية للسكان لدفع عجلة الاقتصاد نحو التعافي.
الواقع الخدمي ومطالب المجلس المحلي
وفي السياق ذاته، تحدث وائل الحاج بكور، رئيس مجلس مدينة الأتارب، إلى منصة “سوريا 24″، مؤكدًا أن الواقع الخدمي مقبول إلى جيد، لكن التحديات لا تزال كبيرة. وأشار إلى أن الكهرباء متوفرة بشكل جيد، بينما تغطي المياه حوالي 60% من حاجة السكان، مع الحاجة إلى دعم كلف التشغيل ومنظومات الطاقة الشمسية لتخفيف الأعباء على الأهالي. وأوضح الحاج بكور أن البنية التحتية تعاني، إذ يحتاج الصرف الصحي إلى صيانة عاجلة، فيما الطرق بحاجة إلى إعادة تزفيت وتركيب بلاط انترلوك. كما لفت إلى وجود فرن واحد فقط يعمل حاليًا، بينما لا يزال الفرن الآخر خارج الخدمة منذ قصفه عام 2013.
وبيّن أن القطاع التعليمي في المدينة جيد نسبيًا، مع وجود مدرستين رئيسيتين (الشمالية والجنوبية) بحاجة إلى ترميم. وكشف أن عدد سكان الأتارب حاليًا يقارب 97 ألف نسمة، منهم 32 ألف نازح، مشيرًا إلى ضغط متزايد على الإيجارات بسبب عودة العديد من النازحين إلى المدينة.
وطالب الحاج بكور بضرورة دعم القطاعات الخدمية والاقتصادية بشكل عاجل، وإعادة افتتاح المؤسسات الحكومية بما يساعد على استقرار السكان وتحسين أوضاعهم المعيشية.