الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025 08:41 PM

الاستعمار الرقمي: كيف تستغل الشركات بياناتنا في الشمال وتعمق التبعية التكنولوجية؟

الاستعمار الرقمي: كيف تستغل الشركات بياناتنا في الشمال وتعمق التبعية التكنولوجية؟

في عام 2006، غيّر المهندس آزا راسكن علاقة الإنسان بالتكنولوجيا الرقمية من خلال ابتكار خاصية السكرولينغ اللانهائي، التي سهلت تصفح المحتوى وجعلته يتدفق باستمرار. لكن هذه الأداة تحولت تدريجياً إلى مصيدة تبقي المستخدمين في الدوامة الرقمية لساعات طويلة.

يقضي الناس ساعات في تصفح المحتوى المتنوع، بينما تعمل الخوارزميات على جمع البيانات وتحليلها لتحويلها إلى معرفة وسلطة وربح. والسؤال المطروح: ما الذي يجري داخل السحابة؟

السحابة هي مجموعة من الحواسيب القوية التي تخزن الملفات والبيانات، مما يوفر المال للشركات ويسهل الوصول إلى المعلومات من أي مكان. ومع مرور الوقت، بدأ الأفراد أيضاً في استخدامها لحفظ الصور والوثائق، مما جعل السحابة جزءاً أساسياً من الإنترنت.

في هذا العصر، أصبحت البيانات بمثابة الذهب الرقمي الذي يتم جمعه وتحليله من خلال الخوارزميات. تتكون هذه الثروة من تفاصيل حياتنا اليومية، مثل المواقع التي نزورها والمنتجات التي نشتريها والرسائل التي نرسلها. هذه البيانات تحولت إلى مورد اقتصادي ضخم تستفيد منه الشركات والمنصات الرقمية.

وفقاً لبيانات Synergy Research Group، تسيطر ثلاث شركات أميركية هي «أمازون» و«مايكروسوفت» و«غوغل» على أكثر من 60% من البنية السحابية في العالم. تدير هذه الشركات مراكز بيانات ضخمة في مختلف القارات، وتستضيف تطبيقات حكومية ومصرفية وتعليمية لمؤسسات عامة وخاصة في دول كثيرة. هذا النفوذ المتزايد يجعل السحابة قناة لإنتاج وتخزين وتحليل البيانات.

تمر عبر هذه السحابة بيانات مليارات المستخدمين، وتتحول إلى مورد رقمي ضخم يخضع للقوانين الأميركية التي تمنح واشنطن حق الوصول إلى هذه البيانات متى طلبت ذلك. هذا يمنح الشركات الثلاث سيطرة واسعة على البنية الرقمية التي تدير الحياة الحديثة، مما يمكنها من بناء اقتصاد يعتمد على تحليل البيانات.

تقوم الخوارزميات بتصنيف السلوك البشري إلى أنماط قابلة للبيع والتنبؤ، وتحويلها إلى خدمات مخصصة وإعلانات موجهة ومنتجات ذكية. هذا النظام يدر الأرباح من حركة الناس على الإنترنت، ويعيد توزيع القيمة نحو الجهات التي تملك الخوادم وأدوات التحليل، مما يخلق نوعاً جديداً من التفاوت.

في هذه المنظومة، تتدفق بيانات العالم من الأطراف إلى المركز. تنتج دول الجنوب العالمي كميات هائلة من المعلومات، ثم تنتقل هذه البيانات إلى خوادم موجودة في الشمال. الشركات الكبرى تقوم بجمعها وتحليلها داخل أنظمة لا تشارك الدول المنتجة في تصميمها أو إدارتها، مما يفقد هذه الدول سيادتها الرقمية ويحول الاعتماد التقني إلى تبعية اقتصادية ومعرفية.

في السنوات الأخيرة، حاولت بعض الدول كسر هذه الحلقة. أنشأت الهند مشروعها للبنية الرقمية المفتوحة، وأقرت البرازيل قوانين تقيد تصدير البيانات الحساسة، وأطلقت جنوب أفريقيا نقاشاً حول حماية سيادتها الرقمية. وأقر الاتحاد الأوروبي تشريعات تنظم تداول البيانات وتلزم الشركات الكبرى بالشفافية. هذه الجهود تعزز فكرة الاستقلال البياني كمطلب سياسي عالمي.

في المقابل، واصلت الشركات الكبرى توسيع نفوذها من خلال فتح مراكز بيانات جديدة وفرض عقود طويلة الأمد تلزم الحكومات بشراء خدماتها السحابية. هذا يعيد منطق الامتيازات القديم بوسائل حديثة.

لتحقيق التغيير، يجب أن يدرك الناس ما يؤخذ منهم فعلاً، وأن يبحثوا عن بدائل أكثر استقلالاً مثل التطبيقات مفتوحة المصدر والمنصات المحلية التي تحفظ الخصوصية. هذه الخطوة الفردية يمكن أن تتحول إلى فعل جماعي يحد من هيمنة الشركات ويعيد التوازن إلى الفضاء الرقمي.

أوصت دراسة صادرة عن Policy Center في تشرين الأول (أكتوبر) 2025 بعنوان «السيادة الرقمية واستعمار البيانات» بضرورة بناء بنى تحتية محلية وخوارزميات مستقلة. وأشار بحث صادر في كانون الثاني (يناير) 2025 عن مؤسسة Open Future بعنوان «حوكمة البيانات في الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر» إلى أن اعتماد البرمجيات والمشاريع المفتوحة المصدر يتيح تقاسماً أكثر عدلاً للبيانات. كما تناول تقرير صادر عن منظمة «اليونسكو» في حزيران (يونيو) 2025 بعنوان «العدالة الرقمية وحوكمة البيانات المنصفة» نماذج لـ«تعاونيات بيانات» مجتمعية. وخلص تقرير صادر عن EnterpriseDB في أيلول (سبتمبر) 2025 إلى أن معظم الشركات العالمية الكبرى تعتبر بناء منصّات بيانات وذكاء اصطناعي ذات سيادة محلية أولوية إستراتيجية للسنوات المقبلة. هذه المبادرات تجمع مساراً واضحاً نحو تحرّر رقمي حقيقي يعتمد على أربع ركائز أساسية: البنى التحتية المحلية، والبرمجيات المفتوحة المصدر، وتعاونيات البيانات، وحوكمة وطنية واضحة. حين يستعيد الإنسان سيادته على بياناته، يستعيد جزءاً من حريته.

مشاركة المقال: