الإثنين, 13 أكتوبر 2025 10:56 PM

البرلمان السوري الجديد: صراع الشرعية والتمثيل في ظل تحديات المرحلة الانتقالية

البرلمان السوري الجديد: صراع الشرعية والتمثيل في ظل تحديات المرحلة الانتقالية

تواجه السلطة التشريعية الجديدة في سوريا، والتي انتُخب أعضاؤها في 5 تشرين الأول، تحديات معقدة. تتضمن هذه التحديات إقرار التشريعات والتصديق على المعاهدات والاتفاقيات التي صدرت بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، بالإضافة إلى مراجعة القوانين السابقة ونقل الصراعات إلى مجلس الشعب لمناقشتها.

أثارت الانتخابات الأخيرة تساؤلات حول القدرة على تشكيل برلمان جديد قادر على سد الفراغ التشريعي في ظل الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية الراهنة، والانقسامات الطائفية والعرقية، والانفلات الأمني.

بموجب الآلية التي أقرها الإعلان الدستوري، انتخبت هيئات مناطقية شكلتها لجنة عليا، عين الرئيس أحمد الشرع أعضاءها، ثلثي أعضاء المجلس البالغ عددهم 210، على أن يعين الشرع الثلث الباقي لضمان التمثيل العادل والكفاءة.

أعلن المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، نوار نجمة، في مؤتمر صحفي في 6 تشرين الأول، أن عدد المقاعد التي تم شغلها خلال هذه الانتخابات هو 119 مقعدًا، بينما بقي 21 مقعدًا شاغرًا عن محافظة السويداء ومحافظتي الرقة والحسكة الواقعتين تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

شارك في الانتخابات 1578 مرشحًا، بينهم 14% من النساء، موزعين على 50 دائرة انتخابية.

يناقش هذا الملف دور مجلس الشعب السوري الجديد والتحديات التي تواجهه في ممارسة صلاحياته التشريعية في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية، مع استعراض آراء الخبراء والمحللين حول الإصلاحات التي يمكن أن تسهم في تعزيز فعالية السلطة التشريعية ودعم استقرار الدولة في المرحلة الانتقالية.

السلطة تهيمن وسط عيوب التمثيل

في جلسة نظمها “صالون سوريا للفكر والثقافة” تحت عنوان “انتخابات مجلس الشعب الأول بعد التحرير (آليات، نتائج، تحديات)”، أكد نوار نجمة أهمية الحوار الوطني تحت قبة مجلس الشعب لمناقشة التشريعات والدستور والاتفاقيات بشكل فعال. وأشار إلى أن مجلس الشعب يمكن أن يكون محفزًا للتعايش السلمي والتنمية المستندة إلى الشرعية.

شدد نجمة على حاجة سوريا إلى قوانين جديدة تهيئ بيئة مناسبة للازدهار الاقتصادي، مؤكدًا أن المجلس التشريعي سيسهم في خلق مناخ قانوني جاذب للاستثمارات ويدعم جهود المصالحة الوطنية.

هيمنة السلطة

لكن نسب التمثيل داخل المجلس قد تعيق هذه التطلعات. نشرت منظمة “اليوم التالي” دراسة تقيم العملية الانتخابية وتوصلت إلى نتائج تعاكس طموح اللجنة العليا للانتخابات، أبرزها:

  • غياب التنوع والتمثيل: هيمنة لون سياسي واحد يتوافق مع السلطة التنفيذية.
  • ضعف المشاركة السياسية: المجلس يفتقد للتعدد السياسي ويعجز عن أداء دوره التشريعي والرقابي المستقل.
  • هيمنة السلطة التنفيذية: إدارة العملية بشكل كامل من قبل السلطة التنفيذية دون ضمانات استقلالية اللجنة العليا للانتخابات.
  • غياب الحوار الوطني: تشكيل المجلس بمعزل عن استكمال الحوار الوطني وتنفيذ اتفاق العاشر من آذار.
  • ضعف التمثيل الاجتماعي والسياسي: غياب قوى سياسية ومجتمعية عديدة عن المجلس.
  • تمثيل المرأة الضعيف: لم تحقق اللجنة العليا نسبة 20% لمشاركة النساء.
  • مشاركة محدودة للطيف الثوري: شعور فئات ثورية بالتهميش وعدم المساواة في المشاركة.

ست نساء فقط حصلن على مقاعد في مجلس الشعب المنتخب من أصل 119 عضوًا جرى انتخابهم – 5 تشرين الأول 2025 (فرانس برس)

خلل في التمثيل الديني..

عدل على أساس عرقي

وفق ورقة تحليلية صادرة عن مركز “جسور للدراسات“، حدث خلل في التمثيل الديني والمذهبي بانتخابات مجلس الشعب، إذ اقتصر تمثيل المسيحيين على مقعد واحد فقط، بينما حصل المسلمون على 118 مقعدًا. أما بالنسبة للتمثيل العرقي، فكان من بين الفائزين 111 عضوًا من العرب، وأربعة أعضاء من الكرد، وأربعة أعضاء من التركمان، فيما غاب تمثيل القوميات الأخرى.

بالتالي، أفرزت الانتخابات نوعًا من “التمثيل العادل الإثني”.

المرأة تخرج من السباق

بلغت نسبة النساء الناجحات في انتخابات مجلس الشعب حوالي 4%، وكانت اللجنة العليا تعهدت بتمثيل النساء في الهيئات الناخبة بنسبة 20% إلا أن النتائج جاءت دون التوقعات.

اعتبر المتحدث باسم اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب أن ما أخرج المرأة من سباق الانتخابات، هو “قوتها وليس ضعفها”.

لارا عيزوقي، عضو اللجنة العليا للانتخابات، أرجعت غياب النساء عن المجلس التشريعي إلى أمرين: غياب الإرادة السياسية لدى الدولة، والوعي السياسي لدى المرأة.

أسباب ضعف التمثيل

أرجعت نور جندلي، المرشحة التي حازت 129 صوتًا في انتخابات مجلس الشعب عن محافظة حمص، ضعف تمثيل النساء إلى جملة من الأسباب المتداخلة، من أبرزها:

  • غياب الحصص أو الآليات الضامنة لتمثيل النساء في المرحلة الانتقالية.
  • حالة عدم الاستقرار وما خلفته من خوف من المشاركة.
  • الأعباء الاجتماعية والمعيشية التي أضعفت القاعدة الانتخابية للنساء.
  • غياب برامج الإعداد القيادي والتثقيف السياسي والإعلامي التي تؤهل النساء للمنافسة بثقة.
  • الضغط الاجتماعي والخوف الشخصي الذي يجعل المرأة المرشحة تخوض اختبارًا مزدوجًا.

تنطلق أولويات جندلي من المشكلات التي تؤرق الناس بالدرجة الأولى، ومن ضمنها ملف التعليم والاقتصاد وتحسين الواقع الخدمي وتعزيز الروابط الاجتماعية بين السوريين.

كذلك ستولي أهمية للمرأة والأسرة السورية، والتمثيل البرلماني الحقيقي الحر والمستقل.

رسالتي للنساء السوريات أن يخرجن من موقع الانتظار والترقب إلى موقع الفعل، وأن يضعن باعتبارهن أن العمل السياسي ليس حكرًا على فئة، بل مسؤولية جماعية تجاه الوطن.

السياسة تحتاج إلى الوعي والمرونة والإصرار على المبدأ دون تعصب.

نور جندلي

عضو في مجلس الشعب الجديد

ترى ملك توما، مديرة مبادرة “الحق في الكتابة “، أن سوريا بحاجة لإرادة سياسية وقانونية لتفعيل تقني نافع يتيح دمج النساء السياسيات بشكل أكثر إنصافًا. وما تحتاج إليه النساء من مجلس الشعب، وفقًا لتوما، هو تشريعات تحمي “الكرامة والعدالة”، وتعالج قضايا الأمن الاجتماعي والاقتصادي والقانوني الذي يمس حياة النساء.

وقالت توما، إنه من المهم أن تكون هناك لجان داخلية في مجلس الشعب، تعنى بتعقب نسب توظيف النساء في المؤسسات الحكومية والوزارات ومناصب صنع القرار.

الرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته إلى المركز الانتخابي في المكتبة الوطنية بدمشق 5 تشرين الأول 2025 (سانا)

انتقادات ومبررات..

بانتظار “قائمة الرئيس”

بعد استكمال عملية انتخاب الهيئات الناخبة لأعضاء المجلس، ينتظر أن يعين الرئيس السوري، أحمد الشرع، ثلث الأعضاء المتبقين. ويتوقع من قائمة الرئيس أن تصوب الخلل في التمثيل الديني والجندري، وأن تركز على الكفاءات، لكن يدور حولها جدل يتعلق بزيادة هيمنة السلطة على المجلس.

يرى مشهور سلامة أن تعيين ثلث الأعضاء يؤثر بشكل جوهري على تصنيف النظام على أنه ديمقراطي، مشيرًا إلى وجود خلل في الشرعية وتقويض للاستقلالية.

لكن سلامة أكد أيضًا أن الثلث ربما يكون طوق نجاة، لتحقيق التوازن المطلوب.

فضل أساتذة في القانون الخاص والدولي والعام عدم الكشف عن أسمائهم، ورأوا أنه كان من الأفضل أن يقوم رئيس المرحلة الانتقالية بتعيين كامل أعضاء مجلس الشعب بشكل مباشر، بشرط أن يتم اختيارهم من المثقفين والنخب القانونية، مع مراعاة التنوع لدى المجتمع السوري.

صلاحيات الرئيس

من جملة الانتقادات لآلية الانتخابات، الصلاحية الممنوحة لرئيس المرحلة الانتقالية بموجب المرسوم “143” لعام 2025، المتعلق بالنظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري، إذ إنها “تضعف استقلالية السلطة التشريعية، وتثير جدلًا حول شرعية التمثيل النيابي”.

طال النقد النظام الانتخابي الجديد لاعتماده على هيئات ناخبة مركزية ولجان فرعية تم تشكيلها بنظام هرمي، مما يجعل عملية الانتخاب غير مباشرة، ويقلل من مشاركة الشعب السوري في اختيار ممثليه.

قالت الصحفية والناشطة المدنية لارا عيزوقي، إن النظام الانتخابي الجديد تم بناؤه استنادًا إلى لقاءات مباشرة مع المواطنين، إضافة إلى الملاحظات والانتقادات التي وُجهت للجنة.

شهدت الانتخابات اعتراضات من شخصيات شاركت في الثورة، خاصة من دمشق وريفها، بعد إلغاء ترشيحاتهم.

أوضحت عيزوقي أن اللجنة لم تقم بإقصاء أي مرشح بشكل متعمد، بل إن الطعون المقدمة تسببت في خلل بالقوائم الأولية، مما اضطر اللجنة إلى إعادة توزيع القوائم وفقًا لنسب تمثيل المكونات والشرائح والاختصاصات المختلفة والأعيان في المجتمع السوري.

ما طبيعة نظام الحكم في سوريا

قال الدكتور مشهور سلامة إن النظام في سوريا أقرب إلى نظام رئاسي مزدوج مع واجهة برلمانية، لكنه في جوهره نظام انتقالي يتيح إمكانية التغيير تدريجيًا من حالة البيان الدستوري إلى دستور جديد. ووصف الوضع القائم حاليًا بأنه “نظام انتقالي هجين” يتميز بصلاحيات واسعة للرئيس الانتقالي وضعف السلطة التشريعية.

كيف تغيرت السلطة التشريعية بين 2012 و2025

تظهر المقارنة بين دستور عام 2012 والإعلان الدستوري الجديد في سوريا تباينات واضحة في تنظيم عمل السلطة التشريعية ومكانتها ضمن هيكل الدولة، وتشمل هذه الفروقات طريقة تشكيل المجلس، ومدة ولايته، والصلاحيات الممنوحة له، إضافة إلى رمزية القسم البرلماني وضمانات الحصانة، والعلاقة مع السلطة التنفيذية.

من خلال استعراض المواد المتعلقة بالسلطة التشريعية بين النصين، تبرز عدد من الفوارق: آلية التشكيل (من الانتخاب إلى التعيين)، المدة (من ولاية محددة إلى تفويض مؤقت)، الصلاحيات، القسم والتمثيل (تغير في رمزية الولاء)، الحصانة والاستقلال (تقليص الضمانات)، العلاقة مع السلطة التنفيذية (من الرقابة إلى التبعية).

اللجنة الفرعية تحصي الأصوات أثناء انتخاب المرشحين في مركز منطقة الزبداني ـ 5 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

النظام الداخلي واتفاقيات تنتظر..

أولويات تحتاج إلى لجان متخصصة

نص الإعلان الدستوري على أن يعد مجلس الشعب الجديد نظامه الداخلي خلال شهر من أول جلسة له، بهدف مواءمة عمل المؤسسة التشريعية مع متطلبات المرحلة الانتقالية في سوريا.

800 مشروع قانون.. بالانتظار

ينتظر مجلس الشعب أكثر من 800 مشروع قانون، تعوق عمل الوزارات والجهات العامة، وفقًا لعضو اللجنة العليا للانتخابات لارا عيزوقي.

يرى الباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد قربي، أن النظام الداخلي يجب أن يركز على إيجاد آلية رشيقة وفعّالة لإقرار التشريعات وتحديد ضوابط واضحة للمساءلة.

لجان متخصصة

يرى قربي أن طبيعة المرحلة الانتقالية تفرض وجود لجان متخصصة تتناول ملفات حساسة وأساسية، مثل لجنة خاصة بالاستثمار، وأخرى لإعادة الإعمار، وثالثة تُعنى بالحقوق والحريات.

كما دعا إلى تشكيل لجنة للمالية والموازنة العامة، وأخرى تُعنى بشؤون المرأة والعدالة الانتقالية، إلى جانب لجنة للتشريعات العقارية أو التشريع بشكل عام.

أوضح أن قضايا التطوير العقاري تُعد تنفيذية بطبيعتها، لكن الاستثمار يظل في مقدمة الأولويات، مشددًا على أهمية الإصلاح المؤسسي وتنظيم عمل اللجان داخل المجلس.

يرى مشهور سلامة، أن الاستقلالية الممنوحة حاليًا للسلطة التشريعية “محدودة”، إذ إن مجلس الشعب في وضعه الحالي هو هيئة استشارية وتشريعية بصلاحيات ضيقة، ولا يتمتع باستقلالية مالية أو إدارية أو سياسية حقيقية عن السلطة التنفيذية.

وأشار إلى وجود إمكانية لتغيير الوضع في مجلس الشعب “نظريًا”، ومنحه صلاحيات رقابية وتشريعية حقيقية، لكن هذا يتطلب إرادة سياسية عليا من قبل الرئيس في سوريا وتعديل الإعلان الدستوري نفسه لتفعيل دور المجلس.

النظام الداخلي.. أولوية المحاسبة والمساءلة

أبرز النقاط التي يجب أن يتضمنها مشروع النظام الداخلي الجديد لمجلس الشعب في سوريا، فكرة تستدعي التعديل تتعلق بالقواعد الخاصة بالمساءلة والمحاسبة، بحسب أحمد قربي.

وقال إن الإعلان الدستوري نص على حق سؤال الحكومة، لكنه لم يتطرق إلى الاستجواب، وهو ما يجعل من الضروري إعادة النظر في هذه المسألة ضمن النظام الداخلي الجديد.

انطلاق عملية التصويت لاختيار أعضاء مجلس الشعب في سوريا من أعضاء الهيئات الناخبة في المكتبة الوطنية بدمشق – 5 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ أحمد مسلماني)

من مجلس “المبعوثان” إلى الأسد

الحياة البرلمانية في سوريا.. تاريخيًا

بدأت التجربة التمثيلية في سوريا عام 1877 مع مشاركة السوريين في “مجلس المبعوثان العثماني”، لتكون أول خطوة نحو الحياة البرلمانية. وفي عامي 1919 و1920، انعقد المؤتمر السوري العام في دمشق، معلنًا استقلال البلاد ومبايعة فيصل ملكًا دستوريًا، مع إقرار دستور مؤقت.

خلال فترة الانتداب الفرنسي (1920–1946)، شُكلت عدة مجالس نيابية، لكن الفرنسيين كانوا يحلونها كلما طالبت بالاستقلال، لتضع الجمعية التأسيسية في عام 1928 دستورًا جمهوريًا متقدمًا، عطلته فرنسا آنذاك.

بعد الاستقلال عام 1946، تأسس أول مجلس نيابي منتخب في سوريا المستقلة، لكن سلسلة الانقلابات التي شهدتها البلاد عام 1949 عطّلت الحياة النيابية أو أعادت تشكيلها مرارًا.

أُعلن قيام الجمهورية العربية المتحدة بين سوريا ومصر عام 1958، وتأسس مجلس الأمة المؤلف من 600 عضو، وبذلك أُلغي عمليًا البرلمان السوري المستقل.

بانقلاب 8 من آذار 1963، تولى حزب “البعث” السلطة وألغى البرلمان، مُنشئًا “المجلس الوطني لقيادة الثورة” بالتعيين.

مع صدور دستور 1973 في عهد حافظ الأسد، أنشئ مجلس الشعب كهيئة تشريعية دائمة تضم 250 عضوًا منتخبين بالاقتراع العام.

احتفظ مجلس الشعب خلال فترة حكم بشار الأسد (2000-2024) بهيكليته الأساسية، مع إدخال تعديلات محدودة على قانون الانتخابات.

وأجريت الانتخابات الأخيرة في عامي 2020 و2024 وسط ظروف الحرب والأزمة الاقتصادية، بمشاركة أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية” وعدد من المستقلين، ما جعل الحياة النيابية في سوريا تتسم بطابع شكلي أكثر من كونها ممارسة ديمقراطية فعلية.

مشاركة المقال: