الأربعاء, 15 أكتوبر 2025 05:35 PM

التنمية المحلية: مفتاح النهوض بالاقتصاد السوري من القاعدة

التنمية المحلية: مفتاح النهوض بالاقتصاد السوري من القاعدة

في عالم يشهد تحولات متسارعة في الاقتصاد العالمي، يرى د. سلمان ريا أن النهوض لا يقتصر على المركز، بل ينطلق من الأطراف القادرة على استكشاف ذاتها وإعادة بناء قدراتها. فالتعافي الاقتصادي السوري يبدأ من البلدات التي تستعيد مواردها المائية، والأحياء التي تستثمر في الطاقة، والمدن التي تبتكر حلولًا تمويلية.

يؤكد د. ريا أن اقتصاديات التنمية المحلية ليست بديلًا عن الدولة، بل هي قوة تصحيحية تعيد بناء الدولة من القاعدة إلى القمة، حيث تكمن حيوية المجتمع وطاقته الحقيقية.

أثبتت التجارب أن النمو الموجه مركزيًا، مهما كانت شعاراته، يظل هشًا إذا لم يستند إلى قاعدة محلية تشاركية. فالمجتمعات هي الخلايا الحية القادرة على ضخ الدم في جسد الاقتصاد، شريطة امتلاكها حرية القرار ووسائل التمويل، وإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة على أساس المشاركة لا التبعية.

التنمية المحلية ليست مجرد مشاريع بنى تحتية، بل هي إعادة هندسة للعلاقة الاقتصادية والاجتماعية، تجعل المواطن شريكًا في صنع مستقبله، لا متلقيًا للقرارات المركزية. يتطلب ذلك أدوات تمويل جديدة تتجاوز البيروقراطية، وتحفز المدخرات المحلية والخارجية، ضمن منظومة شفافة ولامركزية.

تبرز هنا الصكوك البلدية وسندات الشتات كآليتين تمويليتين مبتكرتين قادرتين على تغيير المشهد الاقتصادي إذا طُبّقتا بمؤسسية ونزاهة. فالصكوك البلدية تمكن المدن الكبرى من تمويل مشاريعها الخدمية والتنموية، مثل الطاقة الشمسية والنقل العام، عبر طرح صكوك استثمارية مضمونة بأصول حقيقية، تُدار برقابة مستقلة، وتمنح المواطن عائدًا ملموسًا. أما سندات الشتات، فهي وسيلة لاستقطاب رؤوس أموال السوريين في الخارج، وربطها بمشروعات إنتاجية محددة ضمن إطار مؤسسي يضمن الشفافية ويحمي القيمة.

يشترط نجاح هذه الصيغ ثلاثة عناصر أساسية: الشفافية، واللامركزية المالية، وبناء الثقة بين الدولة والمجتمع. فهي ليست مجرد أدوات مالية، بل بوابات لإعادة بناء العقد الاجتماعي الاقتصادي، حيث يصبح المواطن والمغترب شريكين في الإنقاذ.

بهذا المعنى، فإن التنمية المحلية مشروع وطني بامتياز، يعيد تشكيل الدولة من داخل مجتمعاتها، ويستبدل منطق «الإنقاذ من الأعلى» بـ «التحول من الأسفل». فحين تستعيد البلدة الصغيرة قدرتها على الإنتاج، ويشتري المغترب أول سند في مدينته، يبدأ الوطن بالعودة إلى ذاته. تلك هي البذرة الأولى لنهضة سورية حقيقية، تُبنى بإيمان الناس بأن المستقبل يُصنع محليًا.

(أخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: