الأحد, 5 أكتوبر 2025 08:27 AM

الجزائر تستعد لحوار وطني: هل يشهد المشهد السياسي تحولاً؟

الجزائر تستعد لحوار وطني: هل يشهد المشهد السياسي تحولاً؟

أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن التحضيرات جارية لعقد الحوار الوطني الذي دعا إليه عقب توليه منصبه لولاية ثانية في خريف 2024، والمقرر مبدئياً في نهاية 2025. إلا أن الوضع السياسي الحالي يثير احتمالات تأجيله، ربما حتى الموعد الثاني المحدد في مطلع 2026.

وفي رده على سؤال صحفي، لم يحدد الرئيس تبون موعداً قاطعاً للحوار، مكتفياً بالقول: "تجري تحضيرات تقنية ونبحث عن صيغة لإجراء الحوار الوطني، والحكومة بصدد مراجعة قانون الانتخابات".

ويرى مراقبون أن السلطة في الجزائر تطمح إلى أن يكون هذا الحوار الوطني مختلفاً عن التجارب السابقة، خاصة تلك التي جرت في عهد الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة. ويشدد آخرون على أهمية إعادة ترتيب العلاقة بين السلطة والأحزاب، الأمر الذي يتطلب تحضيراً تقنياً جاداً.

وتعتبر أوساط سياسية الدعوة إلى الحوار الوطني خطوة حضارية لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، لكن نجاحه يعتمد على تحضيرات جادة وسياق سياسي ناضج. ووصف النائب البرلماني عز الدين زحوف الحوار بأنه "سلوك حضاري يعكس وعي الدولة بأهمية التشارك في رسم مستقبل البلاد".

وفي حديث لـ"النهار"، قال زحوف إن "الرئيس تبون لطالما اعتمد الحوار كمنهج في تسيير الشأن العام، سواء من خلال لقاءاته الدورية مع رؤساء الأحزاب أو عبر اجتماعاته المستمرة مع الديبلوماسيين والقناصلة وممثلي الجالية الجزائرية في الخارج"، مضيفاً أن "الاجتماع الأخير مع المتعاملين الاقتصاديين يندرج أيضاً في هذا السياق، حيث أصبح الحوار سِمة بارزة في أسلوب الحكم خلال هذه العهدة".

وأشار إلى أن "المشهد السياسي في الجزائر عرف ديناميكية جديدة عقب الحراك الشعبي المبارك عام 2019، أبرزها فتح المجال أمام الشباب للمشاركة السياسية، إذ سجل حضوراً قوياً للفئة العمرية دون الأربعين في مختلف المجالس المنتخبة"، مؤكداً أن هذا التوجه يعكس إرادة حقيقية لتجديد الطبقة السياسية.

وأضاف زحوف أن "تعديل قانون الأحزاب وتحديد ولايتين فقط لرؤسائها يعد خطوة مهمة لكسر احتكار القيادة داخل التشكيلات السياسية، بعدما شهدنا سابقاً زعماء يتشبثون بمناصبهم لعقود، ما تسبب في انقسامات داخلية وعطّل حركية الأحزاب".

أما بخصوص تعديل قانون الانتخابات، فاعتبر أنه "استجابة لمطالب شرعية رفعتها الطبقة السياسية والمجتمع، كما يعكس تقييماً دقيقاً لأداء المجالس المنتخبة التي كشفت عن بعض النقائص الواجب معالجتها ضماناً لتمثيل شعبي فعلي وفعال".

من جانبه، يرى المحلل السياسي عبد الحكيم بوغرارة أن "الرئيس تبون يسعى إلى إطلاق حوار وطني استشرافي يغلّب فيه منطق المصلحة العليا للدولة على الاعتبارات الحزبية الضيقة"، مشيراً إلى أن إطلالته الإعلامية الأخيرة "تعكس رغبة واضحة في الانفتاح على مختلف الطروحات والآراء بما يخدم بناء الجزائر الجديدة".

ويقول بوغرارة، في حديثه إلى "النهار"، إن "التحضيرات لهذا الحوار لا تبدو متسرعة بل تُدار بعناية، وهذا ما يفسر تعيين مصطفى سايج مستشاراً للرئيس مكلفاً بالجمعيات والعلاقة مع الشباب والأحزاب"، موضحاً أن "هذا التغيير في تركيبة مستشاري الرئاسة يؤكد إرادة حقيقية لتهيئة الظروف السياسية المثلى للحوار، من خلال جسّ نبض الطبقة السياسية وعقد لقاءات دورية مع الأحزاب بغرض الاستماع والتشاور دون فرض خريطة طريق مسبقة".

لكن، في مقابل هذه الديناميكية، يرى بوغرارة أن "الطبقة السياسية لا تزال تعاني هشاشة بنيوية، سواء على مستوى ضعف التنشئة السياسية أو محدودية تكوين المناضلين أو غياب التداول القيادي"، لافتاً إلى أن "معظم المؤتمرات الانتخابية الأخيرة لمعظم الأحزاب اختارت أسلوب التزكية بدل الانتخاب، ما يجهض إمكانية بروز كفاءات حقيقية ويقوّض ثقافة الصندوق داخل التنظيمات".

وبشأن الأفق الزمني للحوار، يرجّح بوغرارة أن "غياب أحزاب جاهزة قد يدفع إلى إعادة النظر في الرزنامة"، مضيفاً أن "من الواضح أن الرئيس تبون ينتظر ما ستُسفر عنه التعديلات المرتقبة على قانون الأحزاب، وربما يعوّل عليها لدفع عملية إصلاح المشهد السياسي وضمان مشاركة نوعية وفعالة في الحوار الوطني المرتقب".

ويختم بالتأكيد أن استعداد السلطة لفتح نقاش وطني حول طبيعة حكم البلاد في المستقبل "يحتّم أن يكون هذا النقاش جاداً ومسؤولاً ويخدم المصلحة العامة".

مشاركة المقال: