تعيش محافظة الحسكة موسمًا زراعيًا يُعد من بين الأسوأ خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الجفاف الشديد الذي ضرب المنطقة خلال فصل الشتاء، وانعدام الأمطار في معظم المناطق الزراعية. هذا الواقع أدى إلى تراجع حاد في الإنتاج الزراعي، لا سيما المحاصيل البعلية، وتسبب بخسائر كبيرة للمزارعين، بينما تشهد الأسواق ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار وضعفًا في حركة التجارة.
المزارع حسين أحمد من قرية تنورية في ريف قامشلي تحدث قائلاً إن الموسم كان "صعبًا للغاية"، إذ زرع نحو 100 دونم من القمح والكزبرة، لكن انعدام الهطولات المطرية جعل الإنتاج شبه معدوم. وأضاف: "التكاليف هذا العام كانت مرتفعة جداً، فطن بذار القمح كلف 230 دولارًا، وطن الكزبرة وصل إلى نحو 600–650 دولارًا، بالإضافة إلى أجور الفلاحة التي تراوحت بين 15 و25 دولارًا للكيس الواحد. ومع ذلك، لم نحصل على أي مردود فعلي من الأرض."
وأشار إلى أن الزراعة المروية أيضًا لم تكن بمنأى عن الضرر، حيث ساهمت صعوبات تأمين المازوت وعدم انتظام توزيعه في تقليل كفاءة مشاريع السقاية، خاصة مع غياب أي دعم فعلي أو خطة واضحة من الجهات المعنية لتعويض الفلاحين أو مساعدتهم على تجاوز الأزمة.
أسواق مشلولة ومواد نادرة
التاجر حسن محمد من مدينة قامشلي صرح أن ضعف الإنتاج الزراعي انعكس مباشرة على الأسواق، حيث ارتفعت أسعار العديد من المحاصيل بشكل كبير، في ظل محدودية المعروض وغياب التصدير. وأوضح أن "سعر الشعير ارتفع من 160–170 دولارًا في الموسم الماضي إلى نحو 360 دولارًا حاليًا، والعدس من 400 إلى 550 وربما 600 دولار. الكزبرة وصلت إلى 750 دولارًا بعد أن كانت لا تتجاوز 450، والكمون ارتفع من 2500 إلى 3500 دولار، كما سجلت حبة البركة ارتفاعًا ملحوظًا".
وأكد أن هناك مواد تدخل من خارج المحافظة مثل الشعير المستورد، الذي يُباع بأسعار تتراوح بين 340 و345 دولارًا للطن ويُستخدم غالبًا كعلف. وقال: "الطلب في السوق موجود، لكن غياب الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار المواد المستوردة يجعل من الصعب على التاجر والمستهلك معًا الاستمرار بالوتيرة نفسها."
غياب الدعم الرسمي يزيد من تعقيد الأزمة
بحسب متابعين ومزارعين في المنطقة، فإن المشكلة تتجاوز الجفاف وتصل إلى غياب سياسات الدعم الفعالة من قبل الإدارة الذاتية، خاصة فيما يتعلق بتأمين مستلزمات الزراعة، وفي مقدمتها المازوت المدعوم، الذي لم يُوزع هذا العام بشكل منتظم أو كافٍ، مما جعل السقاية أكثر كلفة وأقل فعالية.
كما يبدي المزارعون تخوفًا من تسعير المحاصيل الاستراتيجية، خصوصًا القمح، حيث حددت الإدارة الذاتية سعر الشراء لهذا الموسم بـ 320 دولارًا للطن، بينما تشير التقديرات إلى أن السعر في السوق السوداء قد يتجاوز 350 دولارًا. هذا الفارق يثير قلقًا من أن يلجأ بعض المزارعين بعد الحصاد إلى البيع خارج القنوات الرسمية، بحثًا عن عائد أفضل يعوض جزءًا من خسائرهم، وهو ما قد يزيد من اضطراب السوق ويضعف قدرة الجهات الرسمية على تنظيم عمليات التسويق.
في ظل غياب الأمطار، وتراجع الدعم، وارتفاع التكاليف، يزداد القلق من خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية عن الخدمة خلال السنوات المقبلة. كما أن استمرار الوضع بهذا الشكل يهدد استقرار الأمن الغذائي ويزيد من معدلات الفقر والنزوح من الريف نحو المدن أو خارج المنطقة.
في ختام حديثهم، طالب المزارعون والتجار بتدخل فوري من الجهات المعنية، سواء عبر خطة طوارئ لدعم الموسم المتضرر، أو من خلال إعادة هيكلة السياسات الزراعية بما يتناسب مع الظروف المناخية والاقتصادية الجديدة. فالمحافظة التي لطالما كانت سلة غذاء المنطقة، باتت اليوم مهددة بفقدان هذا الدور الحيوي إن لم تُتخذ إجراءات جادة وعاجلة.