الأحد, 19 أكتوبر 2025 11:37 PM

الحلاق يحرس الزجاج الدمشقي: قصة عائلة تصارع للحفاظ على إرث عمره آلاف السنين

الحلاق يحرس الزجاج الدمشقي: قصة عائلة تصارع للحفاظ على إرث عمره آلاف السنين

عنب بلدي – كريستينا الشماس

في زاوية متواضعة داخل ورشة لصناعة الزجاج الدمشقي في باب شرقي بدمشق، يقف الحرفي محمد الحلاق (65 عامًا) شامخًا أمام فرنه المتوهج. وبأنفاسه التي ينفخها في أنبوب معدني طويل، يحوّل كتلة الزجاج الشفافة إلى تحف فنية، أكوابًا ومزهريات ملونة، تجسد براعة الصانع وأصالة المهنة.

يواصل الحلاق عمله الدؤوب للحفاظ على مهنته من الاندثار، مدعومًا بثلاثة حرفيين من عائلته، متحديًا الظروف الاقتصادية الصعبة وتراجع الإقبال على هذه الحرفة العريقة.

تعود جذور حرفة نفخ الزجاج إلى أكثر من 2000 عام، حيث يُنسب ابتكارها إلى الفينيقيين الذين نقلوها إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، ومن بينها دمشق، التي شهدت تطورها وازدهارها لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الصناعات التقليدية.

وفي عام 2023، قامت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) بإدراج حرفة نفخ الزجاج التراثية كعنصر تراثي غير مادي جديد باسم سوريا على قائمة "الصون العاجل" ضمن قوائم التراث الإنساني. ويهدف هذا الإدراج، بحسب "يونسكو"، إلى حماية العنصر من الخطر وضمان استمراريته من خلال وضع تدابير لإدامة ممارسته ونقله من قبل الجماعات المعنية.

لطالما اشتهرت دمشق على مر القرون بإنتاج الزجاج اليدوي الملون، الذي كان يُصدر إلى مختلف أنحاء العالم ويُستخدم في الأدوات المنزلية والتحف والزخارف المعمارية.

مراحل التصنيع

تمر صناعة الزجاج الدمشقي بعدة مراحل دقيقة ومتتابعة، تبدأ بتحضير المواد الأولية وتنتهي بالزخرفة. يشرح الحرفي محمد الحلاق أن المرحلة الأولى تتضمن تقسيم الزجاج إلى أجزاء صغيرة وطحنها، ثم تُنقل إلى الفرن لصهرها في درجة حرارة تتجاوز 1200 درجة مئوية حتى تتحول إلى عجينة شفافة.

بعد ذلك، يأخذ الحرفي كمية محددة من العجينة باستخدام أنبوب معدني طويل، ويبدأ النفخ اليدوي لتشكيلها وفقًا للتصميم المطلوب. ويحرص الحرفي على تدوير الأنبوب أثناء النفخ للحفاظ على توازن الشكل وسماكة الزجاج. ثم تُترك القطعة لتبرد تدريجيًا داخل فرن آخر بدرجة حرارة أقل تصل إلى نحو 500 درجة مئوية لتجنب تشققها. وأخيرًا، تبدأ مرحلة الصقل لإعداد المنتج للاستخدام.

تُسلّم القطع بعد ذلك إلى الرسام أو المزخرف الذي يستخدم مواد معدنية لإضفاء الألوان والزخارف عليها. وتستخدم الأصباغ المسحوقة لتلوين الزجاج في أثناء ذوبانه أو لتزيينه بمجرد تبريده وتصلبه. ويتميز الزجاج الدمشقي المنفوخ بألوانه الخاصة التي تزينه، مثل الأبيض والأزرق والأخضر والقرمزي، بالإضافة إلى الزخارف المطلية بالذهب.

صناعة الزجاج اليدوي بدمشق – 7 أيار 2024 (مشغل الحلاق/فيسبوك)

تحديات تواجه الحرفة

تتمثل أبرز التحديات التي تواجه صناعة الزجاج الدمشقي وتهدد استمرارها في ارتفاع أسعار الوقود اللازم لتشغيل الأفران، والانقطاع المتكرر للكهرباء، وفقًا لما ذكره الحرفي محمد الحلاق لعنب بلدي.

وأشار إلى أن اليد العاملة في هذا المجال قد تراجعت بشكل ملحوظ، حيث يعزف الشباب عن تعلم الحرفة بسبب مشقتها الجسدية وضعف مردودها المالي. كما لفت إلى أن السوق المحلية تعاني من انخفاض الطلب على المنتجات الزجاجية اليدوية، في حين يزداد الطلب الخارجي على هذه القطع الفنية.

وقد أثرت قلة الدعم المقدم للحرفيين بشكل مباشر على استمرارية المهنة، حيث أغلقت معظم الورشات القديمة أبوابها خلال السنوات الماضية، بينما لا تزال ورشة الحلاق صامدة في وجه هذه التحديات.

ما المطلوب

يرى الحرفي محمد الحلاق أن الحفاظ على المهنة يتطلب خطوات عملية تبدأ بتوفير مستلزمات العمل الأساسية كالوقود والكهرباء بأسعار مدعومة للحرفيين، إضافة إلى دعم تسويق منتجاتهم داخل سوريا وخارجها.

ودعا الحلاق إلى إحياء التعليم المهني للحرف التقليدية، وإنشاء دورات تدريبية لتعليم الشباب أصول المهنة على أيدي الحرفيين القدامى. وأشار الحلاق إلى أن عائلته تحاول نقل الخبرة عبر توريثها للجيل الجديد، في محاولة لضمان بقاء المهنة ضمن العائلة وحمايتها من الاندثار.

مشاركة المقال: