السبت, 23 أغسطس 2025 11:57 AM

السويداء: انقسامات حول تشكيل "الجيش الموحد" وتساؤلات حول أهدافه

السويداء: انقسامات حول تشكيل "الجيش الموحد" وتساؤلات حول أهدافه

لم يلقَ البدء بتشكيل ما يسمى "الجيش الموحد" في محافظة السويداء جنوب سوريا، تجاوباً كبيراً من الفصائل المحلية البارزة، حيث أعلنت إحدى هذه الفصائل أن انضمامها "غير وارد حالياً". ويعود ذلك لعدم وضوح الرؤية حول ماهية هذا "الجيش" الذي يسعى شيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، إلى تشكيله. ويرى منتقدون أن التشكيل الجديد قد لا يكتب له النجاح، كونه سيقتصر على أفراد من الطائفة الدرزية.

تداول نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الثلاثاء، أخباراً عن إطلاق الهجري لمشروع يهدف إلى دمج جميع الفصائل المسلحة في السويداء تحت مسمى "الجيش الموحد"، قبل أن تعلن عدة فصائل انخراطها فيه. يأتي هذا في ظل تحولات متسارعة تشهدها السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، على الصعيدين السياسي والميداني، وذلك عقب الأحداث الدامية التي شهدتها المحافظة في منتصف يوليو (تموز) الماضي، والتي جمعت فصائل درزية وعشائر بدوية وقوات الأمن السورية.

ذكرت مصادر معارضة للهجري أن "الجيش الموحد" هو نفسه "الحرس الوطني" الذي كان العمل جارياً على تشكيله منذ أشهر. وأضافت أن الهجري يحاول حالياً "جمع الفصائل تحت إدارة واحدة"، معتبرةً أن هذه المحاولة ستفشل، وأنها تعتمد على ضباط سابقين كانوا يخدمون في جيش نظام بشار الأسد.

اعتمد "الحرس الوطني" في بدايته على ما يعرف بـ "المجلس العسكري" في السويداء، الذي كان زعيمه العقيد المنشق طارق الشوفي مؤيداً لسياسات الهجري. إلا أن خلافات نشبت بين الطرفين مؤخراً، وتطورت إلى قيام مسلحين بخطف الشوفي قبل أن تتدخل فصائل لتأمين إطلاق سراحه.

أوضحت المصادر نفسها أن "الحرس الوطني" والفصائل الموالية للهجري أبعدوا "المجلس العسكري" عن عملية تشكيل "الجيش الموحد"، مشيرةً إلى أن مؤيدين للزعيم الدرزي توجهوا إلى قرى في المحافظة لإقناع الفصائل الناشطة فيها بالانضمام إلى "الجيش الموحد". وأشارت إلى أن الشباب يتم إغراؤهم للتطوع في التشكيل الجديد براتب شهري قدره 300 دولار أمريكي، موضحةً أن عدداً كبيراً من الشباب سجلوا أسماءهم للتطوع، لكن كثيرين منهم تراجعوا لاحقاً لأنه لم يُدفع للمتطوعين سوى راتب الشهر الأول منذ تشكيل "الحرس الوطني".

أفادت المصادر المعارضة للهجري بأن بعض الفصائل التي انضمت إلى "الجيش الموحد" كانت مرتبطة بجهاز الأمن العسكري التابع لنظام الأسد، وأن مقاتليها متهمون بارتكاب تعديات وسرقات والتورط في عمليات خطف في السويداء.

ذكرت مصادر في مدينة السويداء تربطها علاقات مع فصائل انضمت إلى "الجيش الموحد" أن عدد مقاتلي هذا التشكيل الجديد يقدر بما بين 4 – 5 آلاف مقاتل. لكن مصادر أخرى قالت لـ "الشرق الأوسط" إن هذا الرقم مبالغ فيه، إذ إن الفصائل التي انضوت في إطاره قليلة ولا يتجاوز عدد أفراد كل واحد منها 20 مقاتلاً.

يتقاسم الهجري المرجعية الدينية للدروز في سوريا مع شيخي العقل يوسف جربوع وحمود الحناوي، وقد أبدى مواقف معارضة لسياسة الإدارة السورية التي تسلمت مقاليد السلطة في البلاد بعد الإطاحة بنظام حكم بشار الأسد أواخر العام الماضي.

صعّد الهجري من معاداته للحكم في دمشق بعد أحداث يوليو (تموز) الماضي التي قتل خلالها مئات المدنيين والمسلحين من العشائر والفصائل الدرزية وعناصر قوات الجيش والأمن العام الحكومية التي تدخلت لفض النزاع الذي وقع بين مسلحين من البدو وآخرين من الدروز.

رفض الهجري بيانات الحكومة حول الأحداث، واتهمها بارتكاب "جرائم إبادة" في السويداء، وفرض حصار عليها، وهو ما تنفيه الحكومة التي تؤكد أن قوافل المساعدات يتم تنظيمها يومياً إلى المحافظة ذات الغالبية الدرزية. كما طالب الهجري بتحقيق دولي مستقل في ما جرى، وبخروج عناصر الجيش والأمن التابعين للحكومة من المحافظة، وفتح ممر إنساني للسويداء، كما شكر إسرائيل على دعم موقفه ضد الحكومة السورية. ومعلومٌ أن إسرائيل شنت العديد من الغارات على مواقع ومنشآت حيوية سورية خلال الأحداث بحجة حماية دروز سوريا.

في أواخر يوليو (تموز) الماضي، أعلنت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية تشكيل ما تسمى "اللجنة القانونية العليا" و"لجان للإدارة المحلية" في السويداء، قبل أن تعلن في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) الحالي تشكيل مجلس تنفيذي جديد للمحافظة وتعيين قائد للأمن الداخلي.

جاء ذلك في وقت نظّم محتجون مظاهرة في السويداء يوم 16 أغسطس طالبت بـ "تقرير المصير" للمحافظة بما يسمح بانفصالها عن الدولة السورية وإقامة دولة مستقلة. لكن هذه الخطوة لقيت تنديداً من أكثر من طرف.

بالنسبة إلى "حركة رجال الكرامة"، التي تأسست في عام 2013، ويقودها حالياً الشيخ يحيى الحجار، وتُعد الفصيل المسلح الأكبر عدداً وعتاداً في السويداء، إذ يتراوح عدد مقاتليها بما بين 5 – 8 آلاف مقاتل، فإنها بحسب المتحدث باسمها، باسم أبو فخر، "مع أي خطوة تدعم توحيد الجهود للدفاع عن السويداء، لكن موضوع الانضمام لجسم عسكري موحّد أمرٌ يخضع لماهية هذا الجيش وتوافقه مع مبادئنا وضمانته لكرامة الجميع".

أضاف أبو فخر في تصريح لـ "الشرق الأوسط": "نتوافق مع مبدأ الدفاع عن السويداء من أي تعدٍ، لكن موضوع قيادات هذا الجيش وسلوكياتهم وتنظيمه وآلية عمله كلها أمور تحدد موقفنا من الانضمام أو عدمه. وإلى الآن لم ننضم ولسنا مجبرين على الانضمام في حال لم نتلاءم مع تشكيله". لكن المتحدث أوضح أن "عدم الانضمام لا يعني عدم توحيد الجهود والتنسيق للدفاع عن السويداء".

لم يخف أبو فخر أن هناك تواصلاً مع القيادات العسكرية للحركة بشأن الانضمام لـ "الجيش الموحد"، لكنه كان صريحاً بالقول إنه "ليس هناك أي وضوح بشأن هذا الجيش، وهذا ما يجعل فكرة الانضمام (إليه) غير واردة حالياً".

يوجد في السويداء العديد من الفصائل المسلحة، بعضها تشكل في زمن النظام السابق وبعضها بعد الإطاحة به. وإضافة إلى "حركة رجال الكرامة"، و"الحرس الوطني"، و"المجلس العسكري" (الذي يصل عدد مقاتليه وفق تقارير إلى 5 آلاف)، هناك فصيل "مضافة الكرامة" الذي يقوده الشيخ ليث البلعوس وهو معروف بمواقفه المؤيدة لبسط الدولة سيطرتها على السويداء، ويوافقه في ذلك "تجمع أحرار الجبل" الذي يقوده سليمان عبد الباقي. كما أن هناك فصيل "لواء الجبل" الذي يعد الفصيل الثاني من حيث الحجم والعتاد في السويداء، ويبدي مواقف قريبة من مواقف الهجري، إضافة إلى "درع التوحيد"، وفصائل مسلحة صغيرة لا يتعدى عدد مقاتلي الفصيل منها 20 مسلحاً، منها "قوات شيخ الكرامة" و"قوات العَليا" و"تجمع سرايا الجبل" و"جيش الموحدين".

يضاف إلى كل ذلك ما تسمى "قوى مكافحة الإرهاب" التي توحدت مع فصائل صغيرة، وأعلنت رفضها لحكومة دمشق.

يوم الثلاثاء أعلن "لواء الجبل"، في بيان نشره على صفحته في موقع "فيسبوك"، انضمامه إلى "الجيش الموحد"، وذكر أن الأخير يحظى بمباركة الهجري. ولم يرد قائده شكيب عزام على عدة اتصالات أجرتها معه "الشرق الأوسط" لمعرفة تفاصيل انضمام فصيله إلى "الجيش الموحد".

رأى الخبير والمحلل العسكري العقيد المنشق، أحمد محمد ديب حمادة، أن ما يجري هو أن "مجموعات خارجة عن القانون تأتمر بأمر الهجري تحاول أن تنظم نفسها ضمن جيش سموه (الجيش الموحد)، بعد محاولات لتكريس إدارة أو حكم محلي في المنطقة". وذكر حمادة لـ "الشرق الأوسط" أن "إسرائيل لا تغيب عن هذه المحاولات نهائياً، ذلك أن هناك معلومات تحدثت عن أنها ستدعم مجموعات قتالية في تلك المنطقة على هيئة جيش دفاعي مدعوم لوجستياً ويتم تدريبه كذلك من قبل ضباط دروز في فلسطين المحتلة". وأضاف: "هي محاولات إسرائيلية تتماهى مع توجه بعض الجهات في السويداء مع حالة انفصالية غير صحية، رغم أن الموقف الإقليمي والدولي يرفض هذه الأمور ويقول بوحدة الأراضي السورية. سوريا متمسكة بأراضيها بشكل كامل وكذلك بشعبها بمن فيهم الدروز، ولا يمكن أن يتم السماح بالتقسيم"، حسب رأيه.

وصف حمادة "الجيش الموحد" بأنه "جيش طائفي" كونه سيضم مجموعات مقاتلة تنتمي إلى طائفة محددة، مضيفاً: "لا أرى أي مستقبل لهذا الجيش لأن الجيش يكون دائماً يتبع لدولة، وهؤلاء ليست لديهم أي مقومات (لدولة)، لكن إسرائيل تريد أن تستخدمهم من أجل مصالحها والضغط على الدولة السورية بهدف تفتيتها وبقائها ضعيفة".

مشاركة المقال: