أعرب ناشطون سوريون عن رفضهم لدعوات التقسيم، أو عزل محافظة السويداء عن باقي المحافظات السورية، داعين للتوقف عن الخطاب التحريضي ضد الدولة السورية. وشارك العديد من السوريين آراءهم تحت وسمي “لا لخطف السويداء”، و”السويداء من الوطن”، داعين لعدم إتاحة الفرصة للمجموعات المسلحة الخارجة عن القانون، والتي ترغب في استمرار الوضع الحالي من أجل عدم تمكين الدولة من وقف تهريب المخدرات والأسلحة.
وقد أثار خطاب الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز مشايخ العقل في طائفة الموحدين الدروز بالسويداء تفاعلا واسعا بين السوريين، بسبب تأييده لبقاء السلاح خارج سلطة الحكومة. ودعا الهجري في كلمته أمام أنصاره في دار قنوات، بالسويداء جنوبي البلاد، يوم الخميس الفائت إلى استمرار حالة النفير العام التي كانت قد أُعلنت سابقًا، “لا سيما خلال أيام عشر العيد، لما لها من رمزية دينية ووطنية”، كما جدد المطالبة بدولة “مدنية ديمقراطية لامركزية”.
وفي تعليقه على ذلك، قال الكاتب الصحفي وهو من السويداء، إن المحافظة “تمر بأَسوأ فترة من تاريخها الآن – للأسف – حيث لا يوجد قانون، وهنالك انفلات كامل للأمن داخل المدينة، وحتى في المناطق التابعة للمدينة، وهذا ما يُنشط العصابات بشكلٍ أو بآخر، عصابات السرقة والنهب، وعصابات تهريب المخدرات، وما إلى ذلك”، معربا عن أمله في أن تبعد السويداء عن أن تكون مساحة للفوضى.
بدوره قال المحلل السياسي السوري: “نحن نعي أن من يقوم أو من يحاول فصل السويداء عن أهلها وعن شعبها وعن كتلتها السورية الكاملة يفعل ذلك بأجندات خارجية، السويداء هامة ومهمة للسوريين كما هي القنيطرة كما هي طرطوس كما هي اللاذقية، لذلك نأمل من الجميع أن يعي أن الفكرة الأساسية من الانفصال هي فكرة غير موجودة في وجدان الشعب السوري بالكامل”.
ورفض الهجري في وقت سابق الإعلان الدستوري المؤقت كما طالب بتدخل دولي، موجها انتقادات مباشرة وغير مباشرة للحكومة السورية، وسط حالة توتر مستمرة بالمحافظة، مع إصراره على رفض تسليم الفصائل سلاحها للدولة.
لكن الشعب السوري “وعى دائما أهمية مكوناته بجميع أعراقه وإثنياته وطوائفه، وبالتالي لم يكن يفرق منذ قديم الأزل ما بين هذه المكونات بالمطلق، إلى أن أتى حزب البعث وعصابة الأسد التي حاولت أن تقيم هذا الشرخ بين مكونات الشعب من أجل البقاء في السلطة”، وفقا لنجار.
ويرى المحلل السياسي السوري أن سياسات النظام البائد “استطاعت في مرحلة ما تقوية جانب على جوانب أخرى، لكي تتمركز وتسيطر على القدرة المالية والسلطة في سوريا بشكل كامل، وعندما قامت الثورة السورية دعا الشعب جميع التظاهرات إلى الوحدة، لذلك عادوا إلى الأصل وهو أنه لا توجد في سوريا سابقا هذه التفرقة بالمطلق”.
أما الآن – يضيف النجار – ففي ظل “دعم بعض المجموعات نجد أن هناك من يطالب بحكم لامركزي وآخر يطالب بإدارة ذاتية، والحكومة الحالية وحتى الشعب السوري يعي ويدرك أن سوريا واحدة، السويداء مثلها مثل دمشق، والقامشلي والحسكة مثل حلب وهكذا، وبالتالي فالسويداء هامة جدا للمكونات السورية وللشعب السوري، ولا يتعامل الشعب السوري بكامله بمنطلق الإثنيات والطوائف، لذلك في جميع الوقفات التي قامت في ساحة الحرية أو ساحة الكرامة في السويداء وقف الشعب السوري مع أهل السويداء بشكل كامل”.
الخاسر الوحيد هو الشعب لفت قرفوط إلى أن “الدولة الناشئة والحكم الجديد الذي ينفتح على كافة مناطق سوريا، إن كان إداريًا أو سياسيًا، يجب أن يكون حاضرًا في السويداء، فلا يحفظ أمن المواطنين إلا الدولة، الشرطة، الجيش، وليست الفصائل، بل هي بيئة مناسبة لانتشار السلاح، ولتمرير المصالح الذاتية الضيقة، بينما الدولة مسؤولة، حتى إن وقع خطأ، فهنالك مرجعية قانونية بجميع الأحوال”.
وأضاف: “الآن، ومع انطلاق سوريا الجديدة، بالتدفق الاقتصادي وليس فقط الانفتاح السياسي على الحكومة السورية، إن كان من الأمريكيين أو الأوروبيين أو أشقائنا العرب أو تركيا الجارة، وأغلبية دول العالم، هنالك أيضا تدفق للمال وللاستثمارات، ونذكر المثل القائل بأن رأس المال جبان، لا يمكن أن يذهب إلى مناطق ينفلِت فيها الأمن، ولا يمكن أن تثق الناس بتمرير رؤوس أموال لكي تنهض بالاقتصاد في هكذا وضع”.
وحذّر قرقوط من أن المحافظة “إذا بقيت على هذه الحالة فسوف تخسر أيضا موارد، وهي بأمس الحاجة لها، إذ لا توجد موارد ولا توجد ثروات طبيعية يمكن الاتكال عليها، فهي محافظة ضيقة وصغيرة، بينما فيها كفاءات كثيرة جدًا من الشباب والفتيات حملة الشهادات العالية والمتوسطة والخبرات في كافة المجالات، هذه الكفاءات هي الثروة للسويداء، إذا انفتحت على مؤسسات الدولة الوليدة، وسمحت لعبور الاستثمار إلى داخلها”.
كما شدّد على الحاجة أيضاً إلى تثبيت الأمن، و”هذا يتطلب من القوى الوطنية والكوارد أن تدرك بأن المستقبل أصبح مشرقًا، فهو يُبنى بأيدي أبناء هذه المحافظة، وليس بالخوف والتخويف من المجهول، الانتماء إلى المجهول لا يبني إلا المجهول، لكن الانتماء إلى الحقائق والفعل الذاتي يعني من داخل هذه المحافظة، بمحاصرة تلك العصابات، بمحاصرة الانفلات الأمني، وأيضا بتثبيت الانتماء إلى الوطن الأم سوريا، وأيضا بفتح المجال لمؤسسات الدولة لتكون أكثر فاعلية، هذا يضمن دخول الاستثمار، ودخول أبنائنا في المؤسسات أو المصانع والشركات الجديدة القادمة، وهي رؤوس أموال ليست بقليلة، ستأتي إلى سوريا”.
واعتبر مغردون وناشطون أن موقف الهجري وأنصاره في رفض تفعيل جهاز الأمن الداخلي في المحافظة، يقوض قدرة الدولة على بسط الاستقرار، وبالتالي استمرار حالة الفلتان.
ولا يقتصر الخلاف مع الهجري على السوريين من خارج السويداء، بل يشمل شخصيات درزية استبعدها من مبادرات تشكيل القوى الأمنية المحلية التي تحاول الحكومة إقامتها، كما عارض مبادرة الشيخ ليث البلعوس، ومنعه من دخول بلدة المزرعة في وقت سابق، حيث كان من المفترض أن يُنفيذ تفاهمات عقدها مع الحكومة حول ذلك.
وكان الهجري قد وجّه الشكر لجهات خارجية داعمة، لم يسمّها، لكنه ألمح إلى إسرائيل، بكلمة “إقليمية”، كما طالب بالحماية الدولية، وسط تدخلات علنية من قبل مسؤولين إسرائيليين، وحديث إعلامي عن احتمالية التدخل العسكري بحجة حماية الدروز من الحكومة.