الأحد, 19 أكتوبر 2025 01:27 AM

السيطرة الصهيونية على مصادر المياه: حلم قديم يتحقق في جنوب لبنان وسوريا

السيطرة الصهيونية على مصادر المياه: حلم قديم يتحقق في جنوب لبنان وسوريا

أخيراً، حقق الصهاينة هدفهم القديم بالسيطرة على الجزء الأكبر من مصادر المياه القريبة من الحدود الشمالية لفلسطين، وذلك بعد احتلالهم قمم جبل الشيخ ومساحات واسعة من جنوب دمشق، بالإضافة إلى سيطرتهم على مرتفعات استراتيجية في جنوب لبنان، وفقاً لما ذكره بدر الحاج.

منذ بداية المشروع الصهيوني، سعى الصهاينة، بمساعدة البريطانيين، إلى ضم أكبر قدر ممكن من الأراضي الشمالية المحاذية لفلسطين والخاضعة للاحتلال الفرنسي، بهدف الوصول إلى منابع المياه. وقد حققوا بالفعل نجاحات في هذا المسعى، حيث سيطروا على بحيرة طبريا، وهي أكبر خزان مياه في فلسطين.

في مذكرتهم إلى مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919، طالبوا بأن تكون حدودهم الشمالية في نقطة جنوب صيدا، وتمتد شرقاً لتشمل منابع مياه الأنهار. كانت المياه بمثابة العمود الفقري للمشروع الاستيطاني اليهودي، حيث أن إقامة دولة يهودية في فلسطين تتطلب استقدام ملايين المهاجرين اليهود وتأمين الأراضي الزراعية لهم، بالإضافة إلى إقامة المصانع وتشييد المستوطنات.

في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، لم تكن فلسطين مهيأة لاستقبال وتوطين ملايين المستوطنين، فالأراضي الزراعية كانت بحاجة إلى كميات كبيرة من المياه. لذلك، بدأ الصهاينة العمل على تطوير المصادر المائية المتوفرة في فلسطين، ولم يكن أمامهم حل لأزمة المياه إلا بالعمل المستمر على التوسع شمالاً باتجاه منابع المياه.

تتحدث العديد من الأبحاث عن محاولات الصهاينة لسد نقص المياه من خلال تنشيط العمل على تحلية مياه البحر بالتعاون مع الأميركيين في عام 1964، بعد إعلان الرئيس جونسون تقديم المساعدة لإقامة محطة نووية لتحلية المياه. ورغم ذلك، استمرت الأزمة، ولم تنجح محاولات إنشاء مشاريع المطر الاصطناعي وتكرير مياه المجاري في تلبية احتياجات المستهلكين بعد استقدام المزيد من المستوطنين. إضافة إلى كون تلك المشاريع باهظة التكاليف ولم تكن بديلاً من المياه المتوافرة في أنهر الشمال. لذلك جرت محاولات عدة للاستيلاء على مصادر المياه، لكن معارضة الاحتلال الفرنسي أجهضت تلك المحاولات.

اليوم، تغير المشهد جذرياً لصالح الصهاينة، لأنهم فرضوا سياسة الأمر الواقع بالقوة على حكام بيروت ودمشق. وكما فرضوا أنفسهم بقوة السلاح في فلسطين، يكررون الأسلوب في احتلالهم لمناطق واسعة من سوريا والتمركز في جنوب لبنان. لقد أجبروا حكام «القاعدة» في دمشق على سحب ميليشياتهم من الجنوب السوري، وأعلنوا رسمياً أن جبل العرب وسكانه تحت حمايتهم. موقف حكام دمشق من كل هذه التطورات صمت مطبق ومزيد من اللقاءات مع القادة الصهاينة لحل «الأمور العالقة» برعاية أميركية وتغطية عربية.

لن تصر إسرائيل فقط على الاحتفاظ بالغجر التي تعد وفقاً لرأي الخبراء الصهاينة أكبر خزان ماء جوفي في الجنوب، بل ستحقق طموحها القديم الذي وضع مخططه الأساسي جون كوتون عام 1954 لتحويل نهر الليطاني إلى إسرائيل.

القاعدة عبر التاريخ: إذا لم تدافع عن أرضك وتدحر الاحتلال عنها، لا مجال أمامك إلا القبول بجزمة المحتل على رقبتك. والأرض التي لا تدافع عنها لا تستحقها. يُضاف إلى ذلك أنّ للمحتل الصهيوني شروطاً كي يوافق على بقاء أي حاكم في السلطة. من أول هذه الشروط منع قيام جيش سوري من جديد بعد أن تم تدمير كل مقومات الجيش السوري وقواعده. وهذا ما أعلنه الكولونيل موشيه جلعاد عندما قال عن المفاوضات مع السوريين: «نوقش خلال المفاوضات، حيث استفسر السوريون عن رأي إسرائيل بإقامة جيش سوري، ردت إسرائيل بصورة واضحة أنه لن يتم إنشاء جيش سوري في سوريا إنما سيتم إنشاء شرطة قوية فقط».

لم يسبق في تاريخ سوريا الحديث، منذ هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى، ورغم تبدل الأنظمة والضباط الذين تولوا الحكم، أن طلبت سلطة سورية رأي إسرائيل في ما إذا كانت تسمح أو لا تسمح بإقامة جيش سوري. هذا وحده سبب واضح يكشف حتى للعميان حقيقة «ثورة إرهابيي الناتو» في الشام. إذاً، المطلوب إسرائيلياً شرطة قوية لقمع أي رد فعل من السوريين ضد السلطة الحاكمة التي فرّطت علناً بالأرض السورية والتي تذعن لكل المطالب الصهيونية.

ما يسري على حكّام دمشق يسري على حكّام بيروت. توماس برّاك أعلن أن الأميركيين يسلحون الجيش اللبناني لقتل اللبنانيين أعداء إسرائيل فقط. إذاً، ممنوع على الجيش أن يتسلّح إلا لأهداف تُرسم له، وظيفته بالنسبة إلى الأميركيين، أي إلى الإسرائيليين، قمع كل صوت يرفض المشروع الصهيوني. ومن دون الخوض في التفاصيل، فإن الجرائم اليومية التي يرتكبها العدو ورد فعل السلطة اللبنانية، هذا إذا سمح لها بالرد بعبارات منتقاة مثل «ندين بأشد العبارات، ونطالب المجتمع الدولي – أي أميركا – التدخل لوقف الاعتداءات»، يثبت أن سلطة الإذعان بانتظار أن تتيح لها الظروف إصدار أوامر إلى الجيش لسحق المقاومين، واذا تأكد عجزه فالاحتياط جاهز، هناك الميليشيات التي سبق لها أن تحالفت مع إسرائيل والتي تتسلح من الأميركيين وهي تحرض يومياً، وبعض مرتزقة الأميركيين يهددون حتى بتدخل جنود الجولاني.

أمام هذا المشهد لا خيار أمام السلطتين في دمشق وبيروت إلا نسيان جميع مصادر المياه في الجنوب وتلك المتدفقة من جبل الشيخ، ولن تصر إسرائيل فقط على الاحتفاظ بالغجر التي تعد وفقاً لرأي الخبراء الصهاينة أكبر خزان ماء جوفي في الجنوب، بل ستحقق طموحها القديم الذي وضع مخططه الأساسي جون كوتون عام 1954 لتحويل نهر الليطاني إلى إسرائيل، وهذا يعني السيطرة الفعلية على النصف الجنوبي من وادي البقاع ومعظم جنوب لبنان أسفل نهر الزهراني.

وهذا ما نرى خطواته الأولية اليوم. مصادر المياه هي أوكسجين مشاريع الاستيطان الصهيونية المستقبلية. كل نقطة مياه سوف يحاولون السيطرة عليها، ولنتذكر أنه وفقاً لضباط الأمم المتحدة وخبراء المياه في لبنان أمر الصهاينة سعد حداد أثناء احتلالهم جنوب لبنان منع المزارعين من حفر آبار جديدة، وحتى الآبار القديمة جرى سدّها بالطوب.

يبدو أن تحقيق حلم الصهاينة الأوائل بالسيطرة على الليطاني يحققه الصهاينة الحاليين ليس بالديبلوماسية، ولا بإستراتيجية «البرستيج» اللبنانية الاختراع، ولا بالتوسل والإذعان كما يفعل حكّام بيروت، بل بالقوة. لا حدود لطموحاتهم المستقبلية، غداً قد ينتقلون إلى مرحلة جديدة يأمرون فيها أنصارهم في جميع مواقع السلطة بإعادة كتابة المناهج التربوية لمصلحة السردية الصهيونية، وقد باشرت أنظمة عربية تنفيذ ذلك، إضافة إلى منع أي مطبوعة أو جهاز إعلام من التعرض للمشروع الصهيوني بسلبية.

ختاماً، يتداول شعبياً بأن عنترة سُئل يوماً كيف أصبحت عنترة الذي يهابه الجميع؟ كان جوابه نزلت إلى الساحة وتحدّيت الجميع احتقرتهم وأهنتهم، ولم أجد أحداً يحاول مهاجمتي أو ينتفض لكرامته. بمعنى أدق، إنه زمن الانصياع، لذلك بسهولة يمكننا وصفه أيضاً بأنه الزمن الصهيوني.

* كاتب لبناني

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: