نشرت شبكة "CBS" الأمريكية، الأربعاء 15 تشرين الأول، المقابلة الكاملة مع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ضمن برنامج "60 دقيقة"، والتي تم تصويرها في 21 أيلول الماضي. تناولت المقابلة قضايا مختلفة، بما في ذلك الملفات الداخلية السورية، وعلاقة دمشق بـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ومستقبل المناطق الشمالية الشرقية، بالإضافة إلى ملف تنظيم "الدولة الإسلامية" ومخيم "الهول".
أكد الرئيس السوري أحمد الشرع أن حقوق المكون الكردي "ستكون مصونة في الدستور السوري"، وأن حق عودة أي شخص "هُجّر أو غادر منزله خلال الحرب مضمون من الآن، حتى قبل بدء المفاوضات الدستورية"، في إشارة إلى المهجرين الأكراد من مناطق مثل عفرين وتل أبيض ورأس العين، الذين تم تهجيرهم نتيجة المعارك بين فصائل "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا و"قسد" بين عامي 2018 و2019.
وأشار الشرع إلى أن سوريا تواجه تحديات عديدة، ويتطلب التعامل معها "وفق أولويات واقعية، وليس بضربة واحدة"، مؤكدًا أن دمشق "تعمل على معالجة القضايا بهدوء دون الانزلاق إلى حرب جديدة". وأوضح أن مناطق شمال شرقي سوريا "جزء أصيل من البلاد"، وأن الحكومة عقدت اجتماعات متكررة مع "قسد"، وتوصل الطرفان إلى اتفاق في 10 آذار الماضي، واعتبره "وثيقة مرجعية حافظت على كثير من المكاسب، ونالت قبولًا شعبيًا واسعًا بين الكرد والسوريين عمومًا".
يذكر أن الرئيس الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي وقعا اتفاقًا في 10 آذار الماضي، ينص على دمج "قسد" في مؤسسات الدولة السورية، مع ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.
وأكد الشرع أن الاتفاق حظي أيضًا، ولأول مرة منذ عشر سنوات، بقبول "سوري وأمريكي وتركي في آن واحد"، معتبرًا أنه "يجب أن يُطبّق كما وُقّع تمامًا، لأنه يضمن حقوق الكرد ضمن إطار الدولة السورية". كما أكد أن سوريا "تضمن الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمجتمع الكردي"، لكنه شدد على أن "أي أطماع في الانفصال مرفوضة"، موضحًا أن المجتمع في شمال شرقي البلاد "يتكوّن من أغلبية عربية تتجاوز 70%، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالدولة السورية"، وحتى داخل المكوّن الكردي نفسه "لا يوجد توافق كامل على تنظيم قسد".
وأشار إلى أن "قسد" نشأت أثناء الحرب على التنظيم بدعم من الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، معتبرًا أن وجود الدولة اليوم "ينفي الحاجة لاستمرار مثل هذه التنظيمات"، لأن بقاءها يؤذي الاستقرار والوحدة السورية، ويخلق فراغًا أمنيًا يسمح بعودة "التنظيم". وأوضح أن المبدأ الذي اعتمدته حكومته منذ دخول دمشق "أن يكون السلاح بيد الدولة وحدها"، لأن أي سلاح خارج سيطرة المؤسسات الرسمية "يهدد الأمن الداخلي ويزعزع استقرار المنطقة".
وفي 11 تشرين الأول الحالي، صرح القائد العام لـ"قسد"، مظلوم عبدي، بأنهم توصلوا إلى "اتفاق مبدئي" مع الحكومة السورية حول عدد من القضايا، بما في ذلك وقف شامل لإطلاق النار واستمرار الحوار على مستوى رفيع. وأضاف عبدي، في تصريحات لفضائية "روناهي" الكردية، المقربة من "قسد"، أنه التقى في دمشق بوزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات بشكل منفصل، مشيرًا إلى وجود "تفاهم حول مبدأ اللامركزية" في الحكم، مع استمرار النقاش حول تفسير المصطلحات المرتبطة بها. وأوضح أن الجانبين توصلا إلى تنسيق شفهي بشأن دمج "قسد" في الجيش السوري، مبينًا أن دمشق أبدت رغبتها بالاستفادة من خبرات "قسد"، وأن لجنة عسكرية تضم ممثلين عن "قوى الأمن الداخلي" ستتوجه قريبًا إلى دمشق لمتابعة تفاصيل هذا الملف.
الحرب ضد التنظيم وملف “الهول”
تطرق الشرع في المقابلة إلى الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، قائلًا إن حكومته "خاضت حربًا واسعة ضد التنظيم قبل السيطرة على دمشق بسنوات، وقدّمت تضحيات كبيرة"، مشيرًا إلى أنه فقد شخصيًا "عددًا من الأصدقاء والمقاتلين خلال تلك المعارك". وأضاف أن لسوريا "خبرة طويلة وواسعة" في مواجهة التنظيم، وأنها "أحبطت عشرات العمليات" التي كان "التنظيم" يخطط لتنفيذها داخل البلاد وخارجها، معتبرًا أن هذه التجربة كافية لجعل الولايات المتحدة في غنى عن الاعتماد على قوات "قسد".
وفي ما يخص ملف مخيم "الهول"، قال الشرع إن سوريا "قادرة على إدارة هذا الملف منذ اليوم الأول"، موضحًا أن حكومته "تواصلت مع الولايات المتحدة والدول المعنية لإيجاد حلول مشتركة"، كما أبدت استعدادها "للتفاهم مع العراق لرعاية المقيمين في المخيم من مختلف الجنسيات". وأشار إلى أن "الدولة الشرعية في دمشق هي الجهة المخوّلة بإدارة هذا الملف، لا القوى الموجودة في الشمال الشرقي"، داعيًا إلى "توحيد المنظومة الأمنية والعسكرية تحت سلطة الدولة".
وكانت "الإدارة الذاتية" قد رفضت، في أيار الماضي، طلب الحكومة السورية الانتقالية لإدارة مخيم "الهول". ونشرت "الإدارة" عبر معرّفاتها الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، في 26 أيار، تصريحًا لرئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في "الإدارة"، شيخموس أحمد، أنها اتفقت مع الحكومة على وضع آلية مشتركة لإخراج العوائل السورية من مخيم "الهول" وعودتهم إلى مناطقهم الأصلية.
ولفت الشرع إلى أن "الأطفال في المخيم بحاجة إلى برامج تعليمية وتأهيلية خاصة لإبعادهم عن الفكر المتطرف الذي تربّوا عليه خلال الحرب"، ويجب أن تكون لهم وسائل تعليم خاصة أيضًا للخروج من أي طريقة تفكير تعلَّموا عليها خلال السنوات الماضية، محذرًا من أن "استمرار الوضع الحالي يجعل من المخيم مصدر خطر جديد، يولّد أفكارًا تهدد المجتمع السوري مستقبلًا". وأكد أن سوريا "تعمل منذ فترة على وضع حلول لهذه القضية"، مشيرًا إلى أن دمشق لن تتردد في طلب الدعم الدولي إذا احتاجت إلى تبادل معلومات أو تقنيات متقدمة، لكنها في الوقت نفسه قادرة على معالجة المشكلة ذاتيًا.
وأعاد الشرع التأكيد على أن توحيد السلاح والمؤسسات تحت سلطة الدولة هو السبيل الوحيد لضمان الاستقرار في سوريا، مضيفًا أن "استمرار التنظيمات المنفصلة أو المناطق الخارجة عن السيطرة يعوق أي عملية سلمية ويطيل معاناة السوريين".
“خلية مشتركة”
وجه قائد القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، الأدميرال براد كوبر، نداء مباشرًا إلى المجتمع الدولي، داعيًا الدول إلى الإسراع في إعادة مواطنيها من مخيمات وأماكن الاحتجاز في شمال شرقي سوريا، وذلك عبر تأسيس "خلية مشتركة" لهذا الهدف. جاء ذلك خلال مؤتمر “رفيع المستوى” للأمم المتحدة عُقد في مقر المنظمة في نيويورك، في 27 أيلول الماضي، خصص لمناقشة أوضاع مخيم "الهول" والمراكز المحيطة به.
وقال كوبر إنه زار شخصيًا مخيم "الهول"، مؤكدًا أن الأوضاع الميدانية تستدعي تسريع عمليات الإعادة. وأعلن كوبر عن نيّة القيادة المركزية إنشاء "خلية إعادة مشتركة" في شمال شرقي سوريا لتنسيق عودة النازحين والمحتجزين إلى بلدانهم. وأوضح الأدميرال الأمريكي، أن إعادة الفئات الهشّة، وخصوصًا النساء والأطفال، تشكّل خطوة إنسانية وأمنية في آن، إذ تمنع تنظيم "الدولة" من استغلال أوضاعهم لإعادة بناء قدراته.
وخاطب كوبر الدول المشاركة في المؤتمر قائلًا إن “إعادة الفئات الهشّة قبل أن تتعرض للتطرف ليست مجرد عمل إنساني، بل هي ضربة حاسمة ضد قدرة تنظيم (الدولة) على إعادة تشكيل نفسه. اليوم، أنضم إليكم جميعًا في دعوة كل دولة لديها محتجزون أو نازحون في سوريا لإعادة مواطنيها”. وأشار إلى أن عدد النازحين في مخيمي "الهول" و"روج" تراجع من نحو 70 ألف شخص عام 2019 إلى أقل من 30 ألفًا اليوم، معتبرًا أن ذلك يفتح الباب لمضاعفة جهود الإعادة. وأشاد كوبر بالحكومة العراقية التي أعادت أكثر من 80% من رعاياها من المخيم، موضحًا أنها "تقود بجدارة جهود الإعادة إلى الوطن".