الجمعة, 22 أغسطس 2025 09:08 PM

الصين تتحدى الهيمنة الأمريكية بإطلاق مشروع الإنترنت الفضائي "قوو وانغ"

الصين تتحدى الهيمنة الأمريكية بإطلاق مشروع الإنترنت الفضائي "قوو وانغ"

في خضم التنافس المتزايد للسيطرة على الفضاء، أعلنت الصين عن تقدم كبير في مشروعها الطموح لإنشاء شبكة إنترنت فضائية ضخمة تحت اسم "قوو وانغ"، والتي تعني بالصينية "الشبكة الوطنية".

يهدف المشروع إلى إطلاق حوالي ثلاثة عشر ألف قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض، ويُنظر إليه على أنه رد صيني مباشر على شبكة "ستارلينك" الأمريكية التابعة لشركة "سبايس إكس". ومع ذلك، يتجاوز المشروع البعد التقني ليشمل أبعادًا سياسية وأمنية واقتصادية عالمية.

وفقًا لوكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا)، أطلقت بكين في أغسطس الماضي المجموعة التاسعة من أقمارها الاصطناعية من مركز "تاييوان" على متن صاروخ "لونغ مارش-6" المعدل. جاءت هذه المهمة بعد أسبوع واحد فقط من إطلاق الدفعة الثامنة من الأقمار بواسطة "لونغ مارش 5B" من قاعدة "ونتشانغ". وتؤكد هذه الوتيرة المتسارعة للإطلاقات على الأولوية القصوى التي يوليها المشروع الحكومة المركزية.

تتولى شركة SatNet، التي تأسست عام 2021 تحت إشراف لجنة الإشراف على الأصول المملوكة للدولة (SASAC)، مهمة إدارة المشروع، مما يشير إلى أن "قوو وانغ" ليس مجرد مبادرة تجارية، بل مشروع سيادي يخضع مباشرة لسلطة الدولة.

تهدف الصين من خلال هذا المشروع إلى منافسة شبكة "ستارلينك" التابعة لإيلون ماسك، والتي نجحت في جذب ملايين المشتركين وتحولت إلى أداة استراتيجية في الحرب الأوكرانية. وتعتبر الصين أن السيطرة على الفضاء السيبراني لا تقل أهمية عن السيطرة على الأرض أو البحر، وأن الإنترنت الفضائي لم يعد خدمة مدنية بحتة، بل قدرة مزدوجة (مدنية-عسكرية) مؤثرة في مسارات النزاعات.

تعتبر الصين، التي منعت "ستارلينك" من العمل على أراضيها، أن "قوو وانغ" ضرورة لضمان استقلاليتها السيبرانية وعدم ترك مجال التحكم بالمعلومات لشركات أمريكية.

من جانب آخر، تولي الصين أهمية لعلاقاتها مع الدول الآسيوية والأفريقية. ويشير تقرير معهد RUSI البريطاني إلى أن حوالي 70% من بنية شبكات الجيل الرابع في أفريقيا بنيت بتقنيات "هواوي"، مما يسهل على الدول الأفريقية الانخراط في منظومة الإنترنت الفضائي الصيني. وتأمل بكين، بعد توقيعها على أكثر من 117 اتفاقية تعاون فضائي مع ثلاثين دولة، في أن تندمج شبكة "قوو وانغ" ضمن "طريق الحرير الرقمي"، مما يعزز نفوذها في القارة الأفريقية ويمنحها القدرة على التحكم في تدفقات المعلومات.

على الرغم من الأهمية الاستراتيجية للمشروع، إلا أنه يواجه تحديات عدة، أبرزها قدرة بكين على سد الفجوة التقنية مع "ستارلينك" في ظل الحصار التكنولوجي الذي تمارسه واشنطن. ورغم تسارع المشروع الصيني، إلا أن دفعات الإطلاق لا تتجاوز عشرة أقمار اصطناعية في المرة الواحدة، مقابل حوالي ثمانية وعشرين لصواريخ "فالكون 9" التابعة لـ "سبايس إكس".

بالإضافة إلى ذلك، سينضم مشروع "قوو وانغ" إلى أكثر من ثمانية آلاف قمر تابعة لـ "ستارلينك" ومشاريع أخرى مثل Kuiper التابع لشركة "أمازون" ومشروع Qianfan الصيني، مما يهدد بحوادث تصادم و"تأثير كيسلر".

تسعى الصين من خلال مشروع "قوو وانغ" إلى كسر احتكار الغرب للفضاء الرقمي وتقديم بديل يعيد توزيع موازين القوى، حيث يمكن لبكين أن تقدم نفسها كقوة تمنح "الجنوب العالمي" خيارًا آخر بعيدًا عن قبضة واشنطن وحلفائها.

إذا تحقق هذا الطموح الصيني، فسيتحول الإنترنت إلى ساحة صراع جيوسياسي متعدد الأقطاب، وهنا تكمن رمزية مشروع "قوو وانغ": ليس فقط شبكة إنترنت فضائية، إنما إعلان عن بداية نهاية التفرد الغربي في السيطرة على الفضاء والمعلومة، وبداية عصر جديد تعاد فيه كتابة قواعد اللعبة الرقمية.

مشاركة المقال: