الثلاثاء, 22 أبريل 2025 03:02 PM

الصين ترد بقوة على أمريكا: حرب تجارية أم تفوق اقتصادي؟

الصين ترد بقوة على أمريكا: حرب تجارية أم تفوق اقتصادي؟

شهد العالم في الفترة الأخيرة، تصاعداً غير مسبوق في التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، أشعل فتيل حرب تجارية واسعة النطاق عبر فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية باهظة على السلع الصينية، بلغت مؤخراً 145%. هذه الخطوة لم تكن مجرد إجراء اقتصادي، بل كانت رداً على “عقلية الهيمنة” الأميركية تجاه الصين، وقد تجسدت في سلسلة من الخطابات والتصريحات “الفوقية” التي وصفت الصينيين بـ “الفلاحين”، محاولةً التقليل من شأنهم، وشيطنتهم في إطار بروباغندا تنتمي إلى سياسة “الرجل الأبيض الغربي المتغطرس”.

الحرب بالأرقام: بداية بالرسوم الجمركية

بدأت المواجهة حين قررت إدارة ترامب فرض رسوم جمركية ضخمة على الواردات الصينية، في محاولة لإجبار بكين على تغيير سياساتها التجارية والاقتصادية. لكن رد الصين لم يتأخر، إذ رفعت الرسوم من 85% إلى 125%، وأطلقت موجة من الردود عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت فيديوهات ساخرة تستعمل الذكاء الاصطناعي تُظهر ترامب ونائبه جيه دي فانس، وحتى الملياردير إيلون ماسك، يعملون في مصانع أحذية داخل أميركا، في مشهد يتهكّم على دعوات ترامب لإعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي.

كما شاركت وزارة الخارجية الصينية في السخرية بشكل غير مباشر؛ إذ نشرت المتحدثة ماو نينغ صورة لقبعة ترامب الشهيرة “اجعل أميركا عظيمة مجدداً”، مكتوباً عليها “صُنعت في الصين”، في تذكير ساخر بأن حتى رموز السيادة الأميركية تأتي من خطوط الإنتاج الصينية.

وخطف تصريح المحامي ورجل الأعمال الصيني الذي يشغل منصب نائب رئيس مركز الصين والعولمة فيكتور تشي كاي غاو الأنظار. فهو قال في إحدى المقابلات التلفزيونية “إن الصين مستعدة للقتال حتى النهاية، فهي تنظر إلى العالم على أنه واسع بما يكفي، وليست بحاجة لأن تكون جزءاً من مجموعة تجارية بعينها. وإذا قررت الولايات المتحدة أن تنغلق على نفسها بالكامل وتنسحب من منظومة التجارة العالمية، فلتفعل”.

وعن خسارة الصين للسوق الأميركي والذي يبلغ حجمه 15 في المئة من صادرات الصين، أجاب “لا نكترث لذلك، فالصين موجودة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، بينما لم يكن للولايات المتحدة وجود آنذاك، ونحن ما زلنا باقين. وإذا اختارت الولايات المتحدة أن تهاجمنا اقتصادياً أو سياسياً، فسنواجه التحديات ونتعامل مع الوضع من دون الحاجة إلى الولايات المتحدة، وسنستمرّ في البقاء آلاف السنين كما فعلنا من قبل”.

تنّين اقتصادي يتفوّق على أميركا

وبينما تنهمك واشنطن في محاولات تشويه سمعة الصين، تعمل بكين بصمت وثقة على تعزيز مكانتها الاقتصادية عالمياً. ففي مقابلة أثارت الجدل، صرّح المفكر الاقتصادي الأميركي الشهير جيفري ساكس أن “ترامب دمّر قوة أميركا، وساهم في عزلتها العالمية”، مؤكداً أن المستقبل للصين.

والأرقام تدعم هذا الرأي:

  • خلال 24 عاماً فقط، تضاعف الاقتصاد الصيني 15 مرة، مقابل مرتين فقط للاقتصاد الأميركي.
  • تستحوذ الصين على 30% من القطاع الصناعي العالمي، مقارنة بـ15% فقط للولايات المتحدة.
  • استثمرت الصين 679 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية حول العالم خلال 8 أعوام، مقابل 76 ملياراً فقط من أميركا.
  • في مجال الطاقة المتجددة، تتفوق الصين على مجمل استثمارات أميركا والهند وكندا مجتمعة.
  • في عام 2023 فقط، قدّمت الصين 798 ألف طلب براءة اختراع، أي ضعف ما سجّلته الولايات المتحدة.
  • الصين أصبحت لاعباً رئيسياً في الذكاء الاصطناعي، وصناعات الفضاء، والابتكار التكنولوجي.

الردّ على السخرية والعنصرية: بروباغندا مضادة بذكاء صينيّ

لم تقتصر الحرب على الرسوم، بل اتخذت طابعاً عنصرياً فاضحاً، تجلى في تصريحات نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، الذي قال في مقابلة مع “فوكس نيوز” إن بلاده تستدين المال من “الفلاحين الصينيين” لشراء المنتجات التي يصنعونها. هذا التصريح أشعل غضباً واسعاً في الصين، وردت عليه بكين عبر حملة بروباغندا إعلامية ذكية قلبت الصورة النمطية رأساً على عقب.

أصحاب هذه الحملة كانوا المواطنين الصينيين أنفسهم الذين بدأوا بتصوير حجم التطور التكنولوجي في دولتهم، والخدمات المتطورة والمتوفرة لهم بسعر رخيص جداً، بالإضافة إلى حجم الخبرات والكفاءات التي يملكونها. كان ذلك سخرية تامة من الولايات المتحدة.

ردّ الصينيون أيضاً على الهيمنة الغربية في مجالات الرفاهية والاستهلاك، إذ كشف موردون صينيون أسرار تصنيع منتجات لماركات عالمية مثل “لويس فويتون” و”هيرميس” و”نايكي”، مستعرضين مراحل الإنتاج المطابقة لما يُصنع لتلك الشركات، ولكن من دون الشعار، وبأسعار زهيدة. فأظهرت مقاطع فيديو أنّ حقيبة “بيركين” التي تباع بـ34 ألف دولار، لا تتجاوز تكلفة تصنيعها الحقيقية 1400 دولار.

هذا الكشف العلني لا يهدّد فقط صورة العلامات الفاخرة، بل يطرح تساؤلات أخلاقية حول التلاعب بقيمة المنتجات، ويعيد تشكيل مفاهيم “الترف” و”الجودة”، حيث تصرّ الصين على أن القيمة في الحرفة لا في الاسم.

هل انتهت الهيمنة الأميركية؟

من خلال حرب الرسوم، والرد الساخر، وتفكيك منظومة الاستهلاك الغربي، تنجح الصين في تقديم نموذج بديل، أكثر اتزاناً وفاعلية. إنها لا تكتفي بالرد على الاتهامات الأميركية، بل تقلب الطاولة وتعيد تعريف معاني القوة والهيمنة والرفاهية.

فهل نشهد حقبة جديدة يكون فيها التنّين الأحمر قائد الاقتصاد العالمي؟ وهل حقاً “كش ملك” لصالح الصين؟

مشاركة المقال: