الإثنين, 21 يوليو 2025 01:10 AM

الفن التشكيلي السوري في مرحلة انتقالية: فنانون قلقون من تغيير الهوية وتهميش الإبداع

الفن التشكيلي السوري في مرحلة انتقالية: فنانون قلقون من تغيير الهوية وتهميش الإبداع

عنب بلدي – كريستينا الشماس: يمر الفن التشكيلي في سوريا بمرحلة انتقالية تعكس التحولات السياسية والاجتماعية. وبينما يراها البعض واعدة، يعرب فنانون ومعنيون بالشأن الثقافي، بمن فيهم الفنانون التشكيليون، عن مخاوفهم من تغيير وجه المشهد الفني أو طمس ملامحه الراسخة.

ينتظر "التشكيل" في سوريا، كبقية الفنون، توضيحًا لمستقبله وهوامش حرية التعبير المتاحة للفنانين، بالإضافة إلى دور الحكومة الحالية في دعم المجال الثقافي. هذه التساؤلات ناقشتها عنب بلدي مع فنانين تشكيليين لاستطلاع تطلعاتهم للمرحلة الانتقالية.

هامش الحريات

الفنانة التشكيلية شهد الجندي، التي أقامت في بريطانيا وقدمت معارض مشتركة وفردية هناك، وعرضت معرضها الفردي الأول في سوريا بعد سقوط النظام، تحدثت لعنب بلدي عن مخاوفها قبل عودتها إلى دمشق. كانت تخشى الاصطدام بواقع منغلق ثقافيًا وفنيًا، بناءً على تجارب مماثلة سمعت عنها من سوريين آخرين.

بعد عودتها، تعرفت الجندي على الواقع بشكل أعمق وتمكنت من تكوين صورة أولية تبعث على الأمل بواقع أكثر انفتاحًا وهامش من الحرية يمكن البناء عليه. تؤمن الجندي بأن هامش الحرية ضروري ولا يمكن التنازل عنه، لأن الفن التشكيلي بطبيعته يحتاج إلى فضاء مفتوح يعترف بالاختلاف ويحترم حرية التعبير.

"حرية الفنان يجب أن تُصان، كما يجب أن تُحترم حريات الآخرين، وهذا ما يجعل من الفن التشكيلي مساحة مشتركة للتعبير الفردي والجمعي في آن واحد"، قالت الجندي، مضيفة أن المرحلة الانتقالية يجب أن تكون فرصة لترسيخ هذا المفهوم، لا للعودة إلى القيود السابقة.

تخوف من تغيّر المشهد

مديرة غاليري "زوايا"، رولا سليمان، ذكرت لعنب بلدي أنه منذ سقوط النظام السابق لم يتم أي لقاء مع وزارة الثقافة للتعرف إلى تطلعات الفنانين التشكيليين وتوضيح خطوط المرحلة الانتقالية. وأوضحت أن الخشية الكبرى تكمن في تغيّر الهوية البصرية والفكرية للفن التشكيلي السوري. فبحسب رأيها، فإن المشهد الفني في سوريا، رغم كل الضغوط السابقة، ظل محافظًا على جوهره ويمثل تعبيرًا صادقًا عن الفنانين، لكن المرحلة الانتقالية قد تجبر بعضهم على تغيير أساليبهم تحت الضغط أو لتلبية تطلعات المؤسسات الجديدة.

وأضافت سليمان: "لا يمكننا أن نتوجه إلى الفنانين ونطلب منهم تغيير طريقة رسمهم أو التعبير عن فنهم، لأن أي محاولة لتوجيه الفن ستؤدي إلى إنتاج فن مزيف". وشددت على ضرورة الحفاظ على استقلالية الفنان، معتبرة أن احترام جميع أشكال التعبير الفني هو أحد الشروط الأساسية لضمان تنوع الساحة التشكيلية.

وتابعت أن "الغاليري" الذي تديره، والذي توقف عن العمل في تموز عام 2024 نتيجة الضغوطات السابقة، قبل أن يُعاد افتتاحه بعد سقوط النظام، يحاول أن يحمل رسالة ثقافية واضحة وهي الدفاع عن الفن السوري كما هو، دون فرض وصاية على الشكل أو المضمون.

حاولت عنب بلدي التواصل مع وزارة الثقافة لتوضيح المشهد الثقافي الفني ومستقبل الفن التشكيلي، ولم تتلقَ الرد حتى تاريخ تحرير التقرير.

تحديات تسويقية

أشارت مديرة غاليري "زوايا"، رولا سليمان، إلى أن أكبر التحديات التي تواجه الفنان التشكيلي في سوريا اليوم تتعلق بالجانب الاقتصادي والتسويقي، فالفنان الذي لا يستطيع بيع لوحاته لا يمكنه الاستمرار، لأنه ببساطة لا يملك مصدر رزق بديلًا.

واعتبرت أن "رأس المال السوري" ما زال غير مدرك لقيمة اللوحة كاستثمار، بخلاف ما يحدث في لبنان أو الخليج، إذ يوجد مقتنون يعرفون كيف يقيّمون العمل الفني، ويستثمرون فيه كما يستثمرون في العقارات أو الذهب. وتابعت: "نحتاج إلى بناء وعي بأن الفن ليس رفاهية، بل هو جزء من الاقتصاد، ويمكن أن يكون مصدر دخل واستثمار ناجح".

ماذا يحتاج الفن التشكيلي للنهوض

من بين الحلول التي اقترحتها سليمان، تدخل الدولة والمؤسسات الرسمية لدعم اقتناء اللوحات الفنية، كما فعلت السعودية، إذ تم إصدار قرار يُلزم المؤسسات والبنوك باقتناء أعمال فنية لفنانين محليين، وفي حال طبق هذا القرار في سوريا سينعكس إيجابًا على الاقتصاد من جهة وعلى دعم الفنانين التشكيليين من جهة أخرى.

وتساءلت: "الفن السوري يُقدّر في الخارج، فلماذا لا نشهد هذا الدعم في الداخل؟". وأكدت سليمان أهمية وجود دور واضح للقطاع الخاص في دعم الفنانين، سواء من خلال الشراء المباشر أو الاستثمار في مشاريع ثقافية. ودعت رجال الأعمال إلى النظر للفن على أنه قطاع منتج، وليس نشاطًا هامشيًا، لافتة إلى ضرورة استثمار المعارض فرصة الانفتاح على الخارج وبناء جسور وعلاقات جديدة مع مؤسسات فنية دولية، لأن العالم بدأ ينظر مجددًا إلى الفن السوري، وهناك اهتمام من السياح والمقتنين الدوليين.

حماية المشهد الثقافي

تؤمن مديرة غاليري "زوايا"، رولا سليمان، بأن على المعارض الموجودة في سوريا والبالغ عددها ما يقارب 13 معرضًا، تحمل مسؤولية أخلاقية وثقافية كبيرة، فهي ليست مجرد أماكن عرض، بل مؤسسات تحمي هوية الفن وتدافع عنه. وختمت: "أنا أدافع عن الفن والثقافة لأنهما يعنيان كثيرًا، فإذا اختفيا، فالمجتمع يفقد جزءًا من روحه، وتفقد سوريا وجهها الحضاري".

مشاركة المقال: