"بدأنا بمبادرة لتنظيف الحي من القمامة ورفع الركام، لكنها توقفت بسرعة. التكاليف كانت أكبر من قدرة الناس ولجنتهم". بهذه الكلمات، يصف قصي عبد الباري، عضو مركز القابون الإعلامي، الواقع المأساوي لحلم العودة إلى حي لم يبق منه سوى الاسم.
ويضيف عبد الباري في حديثه لـ"سوريا 24": "الوضع الخدمي لا يطاق. الأهالي عاجزون عن تحمل الكلفة، ولا توجد أي جهة تتكفل بالترميم أو التنظيف، حتى أبسط الضروريات غير متوفرة".
أما أبو حسن، أحد سكان الحي العائدين مؤخرًا، فيقول: "لا كهرباء، لا ماء، لا مواصلات... نعيش على أطلال بيوتنا... وكأن القابون ما زالت تحت الحصار".
85% دمار... وقرارات قديمة تمنع الإعمار
بحسب تقديرات ميدانية، بلغت نسبة الدمار في حي القابون الدمشقي نحو 85%، نتيجة سنوات طويلة من القصف الممنهج الذي شنّه نظام الأسد على الحي، مستخدمًا شتى أنواع الأسلحة الثقيلة. هذا الدمار طال كل حارات الحي، وأخرج شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات عن الخدمة بشكل كامل، لتتحول العودة إلى مهمة شبه مستحيلة.
ويقول أحد أبناء الحي لـ"سوريا 24" إن قرار محافظ دمشق في عهد النظام، القاضي بمنع تخديم الحي، لا يزال ساريًا حتى اليوم، بحجة أن القابون مشمولة بمخطط تنظيمي لم ير النور بعد. ويضيف: "كل ما يقال عن تحسين الخدمات مجرد وعود شفهية، لا توجد قرارات رسمية، ولا خطط واضحة لإعادة تأهيل الحي".
خدمات تحت الصفر
أيمن القاضي، مسؤول قسم الخدمات في لجنة الحي، يصف الوضع بأنه "خارج أي إطار مقبول"، ويقول لـ"سوريا 24": "لا توجد مواصلات داخل الحي، والناس يضطرون للمشي لمسافات طويلة للوصول لأقرب موقف باص"، وأن "المياه مقطوعة، والشبكات مدمرة، والمضخات خارج الخدمة منذ القصف".
رغم محاولات لجنة الحي تشغيل بئرين بالتعاون مع مؤسسة المياه، إلا أن الكمية غير كافية، وفق ما أكده القاضي. أما الكهرباء، فالوضع أكثر قتامة. إذ يشرح: "التمديدات قديمة، والمحولات بعيدة، وساعات الوصل لا تتجاوز الساعة مقابل خمس ساعات قطع"، مضيفًا أن "الأسوأ هو انخفاض خط التوتر، ما يؤدي إلى أعطال في الأجهزة الكهربائية".
وفي ملف النظافة، يوضح القاضي أنه لا يوجد عامل نظافة واحد في الحي، بل تقتصر الخدمة على سيارة وحيدة تقوم بإفراغ الحاويات، ما أدى إلى تكدس النفايات بشكل كارثي دون معالجة أو إزالة.
لا عودة ممكنة... دون قرار
رغم المبادرات الشعبية من بعض الأهالي ولجنة الحي، تتوقف معظم المشاريع الخدمية عند العقبة الأكبر: غياب الدعم الرسمي والمالي. أهالي القابون الذين تحدوا الموت خلال سنوات الحصار والقصف، يجدون أنفسهم اليوم في مواجهة حصار من نوع جديد: حصار الإهمال.
حي القابون خلال سنوات الثورة
شكّل حي القابون الدمشقي أحد أبرز معاقل الحراك الثوري في العاصمة منذ انطلاقة الثورة السورية عام 2011، فبفضل موقعه الحيوي قرب قلب دمشق، وبنيته الاجتماعية المتماسكة، تحوّل الحي إلى مركز نشط للمظاهرات السلمية، وواجه باكرًا حملات أمنية عنيفة.
مع تصاعد الحراك، فرض النظام طوقًا أمنيًا على الحي، قبل أن يتحوّل إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين قوات المعارضة والنظام. وفي عام 2013، خضع القابون لحصار خانق، تخللته حملات قصف بالمدفعية الثقيلة والبراميل المتفجرة، ما أدى إلى دمار واسع وتهجير معظم السكان. ورغم توقيع اتفاق "خفض التصعيد" في الحي عام 2014، ظلّ القابون عرضة للخروقات المتكررة من النظام، إلى أن بدأ هجوم عسكري واسع في مطلع 2017، انتهى بفرض التهجير القسري الكامل في أيار من العام ذاته.