الجمعة, 21 نوفمبر 2025 11:13 PM

القطب الشمالي: صراع على الثروات وممرات التجارة الجديدة يشعل المنافسة الدولية

القطب الشمالي: صراع على الثروات وممرات التجارة الجديدة يشعل المنافسة الدولية

دمشق-سانا: على الرغم من برودته الشديدة، تحول القطب الشمالي إلى ساحة صراع دولي محتدم. لم يعد ذوبان الجليد نتيجة لتغير المناخ مجرد مؤشر بيئي، بل أصبح حدثًا جيوسياسيًا يعيد تشكيل المنافسة العالمية، ويرسم خرائط بحرية جديدة، ويغير مسارات التجارة الدولية. ويكشف أيضًا عن ثروات طاقة هائلة ظلت حبيسة الجليد لآلاف السنين.

تكشف تقارير مركز المسح الجيولوجي الأمريكي أن المنطقة تحتوي على حوالي 13% من احتياطيات النفط العالمية غير المكتشفة و 30% من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى معادن نادرة مثل النيكل والكوبالت والبلاتين. وتشير دراسات أكاديمية حديثة إلى أن الممرات القطبية يمكن أن تقلل وقت الشحن بين آسيا وأوروبا بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالمسارات التقليدية عبر قناتي السويس وبنما، مما يعزز قيمتها التجارية واللوجستية على المستوى الدولي.

تسابق القوى الكبرى على القطب الشمالي

في ظل هذه التحولات، تتسابق القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة والصين ودول أوروبا لتأمين مواقعها، مستندة إلى قدرات عسكرية ولوجستية وتصريحات سياسية تعكس التوتر المتزايد. فمنذ إصدار وزارة الدفاع الأمريكية "استراتيجية القطب الشمالي 2024" في 22 تموز الماضي، أوضحت واشنطن أن القطب لم يعد هامشيًا، بل ساحة تنافس مباشر مع روسيا والصين.

بدأت واشنطن في رفع جاهزية العمليات وتطوير البنية العسكرية في القطب الشمالي، مؤكدة أنها لن تسمح بفرض واقع جديد، مما يعكس إدراكًا أمريكيًا بأن التأخر في بناء قدرات قطبية، خاصة في مجال كاسحات الجليد، سمح لروسيا بتعزيز حضور غير مسبوق.

تأتي التحركات الروسية في اتجاه معاكس لسياسات واشنطن. ففي 19 أيلول 2024، تعهد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن بلاده ستدافع بكل الوسائل السياسية والعسكرية والتقنية عن مصالحها في القطب الشمالي، مؤكدًا أن موسكو تراقب "الأنشطة غير المعتادة" للناتو في المناطق الشمالية.

تزامنت هذه التصريحات مع توسيع روسيا لقاعدتها في أرخبيل "نوفايا زيمليا" في أقصى شمال البلاد، وإنشاء بنية تحتية قادرة على خدمة الطيران والصواريخ والدفاع الجوي، بما في ذلك منظومات "إس400"، بالإضافة إلى تطوير أسطول كاسحات الجليد النووية الأكبر في العالم.

الصين تدخل السباق إلى القطب الشمالي

دخلت الصين السباق القطبي بصيغة مختلفة، فمع إعلانها في 26 كانون الثاني 2018 وثيقة "الورقة البيضاء للسياسة القطبية"، وصفت نفسها بأنها دولة قريبة من القطب الشمالي، وهي صيغة أثارت استغراب العديد من الدول، لكنها عكست رغبة صينية واضحة في تثبيت موطئ قدم استراتيجي.

شددت الوثيقة على أن بكين تسعى لدعم البحث العلمي وحماية البيئة القطبية، لكنها تحدثت أيضًا عن بناء "طريق حرير قطبي" بالتعاون مع روسيا لتطوير ممرات بحر الشمال، مستفيدة من ذوبان الجليد لربط آسيا بأوروبا بطرق بحرية أقصر من تلك التي تمر عبر قناة السويس.

أخذ هذا الطموح الاقتصادي بعدًا أمنيًا في تشرين الأول 2024 عندما بدأت الصين أولى دورياتها المشتركة مع خفر السواحل الروسي في المحيط المتجمد الشمالي، في خطوة فسرها مراقبون غربيون بأنها نقطة تحول في ميزان القوى البحري في الشمال.

الناتو سيدافع عن مصالحه في المنطقة القطبية

بالمقابل، لم تقف أوروبا، وعلى رأسها دول الناتو، مكتوفة الأيدي أمام هذا التمدد الروسي والصيني. ففي 21 تشرين الأول 2024، أكد قائد قوة الناتو في الشمال بيتر باور أن الحلف ملتزم بالدفاع عن مصالحه في المنطقة القطبية وأن حرية الملاحة خط أحمر لا يمكن السماح بتقييده.

كذلك، دعا تقرير البرلمان الأوروبي الصادر في تشرين الثاني 2025 إلى استراتيجية أكثر صرامة تركز على الأمن والدفاع والموارد الطبيعية، محذرًا من أن عسكرة المنطقة تهدد الاستقرار الدولي.

تشكل الأبعاد البيئية والإنسانية والقانونية تهديدات ملحة بسبب الاحتباس الحراري في القطب، مما يؤثر على حياة الشعوب الأصلية ويهدد الأمن الغذائي والثقافي، بينما يضيف البعد القانوني تعقيدات تتعلق بالنزاعات حول الممرات الجديدة والموارد المعدنية والنفوذ الجيو سياسي.

بالمقابل، تحذر تقارير الأمم المتحدة من أن ارتفاع درجات الحرارة في القطب يزداد بوتيرة أسرع بأربع مرات من المتوسط العالمي، مما يؤثر بشكل مباشر على المجتمعات الأصلية مثل "الإينويت" الذين يحمون جزءًا كبيرًا من التنوع البيولوجي العالمي لكنهم يتلقون أقل من 1% من التمويل المناخي الدولي.

وبينما تحاول الدول الكبرى إقامة توازن بين التنمية والبيئة، يبدو واضحًا أن القوى المتنافسة تستثمر في القطب الشمالي بقدر أكبر مما تستثمر في حماية مناخ الأرض، وسط دعوات متزايدة لتحديث القوانين الدولية بما يضمن هذا التوازن.

وفي المحصلة، يتجه القطب نحو مرحلة تاريخية جديدة تعاد فيها صياغة موازين القوى عبر ثروات تحت الجليد وممرات تجاوزت الحدود التقليدية للمحيطات.

مشاركة المقال: