الجمعة, 21 نوفمبر 2025 10:31 PM

القطب الشمالي: صراع النفوذ على الثروات والممرات التجارية الجديدة

القطب الشمالي: صراع النفوذ على الثروات والممرات التجارية الجديدة

لم يعد القطب الشمالي مجرد منطقة جليدية نائية، بل تحول إلى ساحة جيوسياسية حيوية تشهد منافسة دولية متزايدة. فذوبان الجليد، الناتج عن التغير المناخي، كشف عن ثروات طبيعية هائلة وأعاد رسم مسارات التجارة العالمية.

تشير تقارير مركز المسح الجيولوجي الأمريكي إلى أن المنطقة القطبية الشمالية تختزن حوالي 13% من احتياطات النفط العالمية غير المكتشفة و30% من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى معادن نادرة كالنيكل والكوبالت والبلاتين. وتؤكد دراسات أكاديمية أن الممرات القطبية يمكن أن تقلل زمن الشحن بين آسيا وأوروبا بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالمسارات التقليدية عبر قناتي السويس وبنما، مما يزيد من أهميتها التجارية واللوجستية.

سباق القوى الكبرى

تتسابق القوى الكبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة والصين ودول أوروبا، لتعزيز نفوذها في القطب الشمالي، مستندة إلى قدرات عسكرية ولوجستية وتصريحات سياسية تعكس التوتر المتزايد. فبعد إصدار وزارة الدفاع الأمريكية "استراتيجية القطب الشمالي 2024" في 22 تموز الماضي، أكدت واشنطن أن القطب يمثل ساحة تنافس مباشر مع روسيا والصين، وبدأت في رفع جاهزيتها العسكرية وتطوير البنية التحتية في المنطقة.

في المقابل، تعهد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 19 أيلول 2024 بأن بلاده ستدافع بكل الوسائل عن مصالحها في القطب الشمالي، مؤكداً أن موسكو تراقب "الأنشطة غير المعتادة" للناتو في المناطق الشمالية. وتوسعت روسيا في قاعدتها في أرخبيل "نوفايا زيمليا" وأنشأت بنية تحتية قادرة على خدمة الطيران والصواريخ والدفاع الجوي، بما في ذلك منظومات "إس400"، بالإضافة إلى تطوير أسطول كاسحات الجليد النووية الأكبر في العالم.

الدخول الصيني

أعلنت الصين في 26 كانون الثاني 2018 وثيقة "الورقة البيضاء للسياسة القطبية"، وصفت فيها نفسها بأنها دولة قريبة من القطب الشمالي، معربة عن رغبتها في دعم البحث العلمي وحماية البيئة القطبية، وبناء "طريق حرير قطبي" بالتعاون مع روسيا لتطوير ممرات بحر الشمال. وفي تشرين الأول 2024، بدأت الصين أولى دورياتها المشتركة مع خفر السواحل الروسي في المحيط المتجمد الشمالي.

موقف الناتو

أكد قائد قوة الناتو في الشمال بيتر باور في 21 تشرين الأول 2024 أن الحلف ملتزم بالدفاع عن مصالحه في المنطقة القطبية وأن حرية الملاحة خط أحمر. ودعا تقرير البرلمان الأوروبي الصادر في تشرين الثاني 2025 إلى استراتيجية أكثر صرامة تركز على الأمن والدفاع والموارد الطبيعية، محذراً من أن عسكرة المنطقة تهدد الاستقرار الدولي.

تواجه المنطقة القطبية تحديات بيئية وإنسانية وقانونية بسبب الاحتباس الحراري، مما يؤثر على حياة الشعوب الأصلية ويهدد الأمن الغذائي والثقافي. وتحذر تقارير الأمم المتحدة من أن ارتفاع درجات الحرارة في القطب يزداد بوتيرة أسرع بأربع مرات من المتوسط العالمي، مما يؤثر بشكل مباشر على المجتمعات الأصلية مثل "الإينويت".

وفي ظل سعي الدول الكبرى لتحقيق التوازن بين التنمية والبيئة، تتجه الأنظار نحو تحديث القوانين الدولية لضمان هذا التوازن في القطب الشمالي، الذي يشهد إعادة صياغة موازين القوى عبر ثرواته وممراته الجديدة.

مشاركة المقال: