هجرة معاكسة: اللبنانيون يغادرون و السوريون يتدفقون
عنب بلدي – رأس العين: بعد محاولات فاشلة للوصول إلى تركيا، يجد مصطفى سليمان، الأربعيني من تل أبيض، نفسه مضطرًا للتوجه نحو لبنان بحثًا عن عمل يسد به رمق أسرته المكونة من ستة أفراد. ديونه المتراكمة، والتي بلغت 40 مليون ليرة سورية (حوالي 3650 دولارًا أمريكيًا)، لم تترك له خيارًا آخر.
مصطفى ليس وحده، فالعديد من سكان رأس العين وتل أبيض يواجهون المصير نفسه، حيث يضطرون لسلوك طرق غير نظامية (تهريب) للوصول إلى لبنان، بعد أن أغلقت تركيا أبوابها أمامهم.
هذه الرحلات محفوفة بالمخاطر، بدءًا من الاعتقال وصولًا إلى الابتزاز من قبل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) أثناء العبور من مناطق سيطرتها في الحسكة والرقة.
لبنان، الذي كان في السابق وجهة غير مرغوبة، يعود اليوم ليصبح ملاذًا للباحثين عن العمل، وذلك بعد سقوط النظام السوري وتفكك حواجزه العسكرية.
إغلاق الحدود التركية يزيد الضغط
عز الدين الشكري (39 عامًا) من رأس العين، هو مثال آخر على المعاناة. تراكمت عليه الديون نتيجة الخسائر الزراعية، لتصل إلى حوالي 7000 دولار أمريكي (نحو 77.5 مليون ليرة سورية). التشديدات الأمنية على الحدود التركية حالت دون سفره للعمل هناك وتسديد ديونه.
يقول عز الدين إنه كان يأمل في إيجاد فرصة عمل في تركيا، لكن القيود المفروضة جعلت ذلك مستحيلًا. لذا، قرر التوجه إلى لبنان والبحث عن عمل هناك، وقد تواصل بالفعل مع أحد المهربين لتسهيل رحلته إلى بيروت مقابل 650 دولارًا أمريكيًا.
الأعمال المتاحة في تل أبيض ورأس العين محدودة وتقتصر على الأعمال اليومية في الزراعة أو رعي الأغنام، بأجور لا تتجاوز 100 ألف ليرة سورية (نحو 9 دولارات أمريكية) في اليوم.
الاعتماد الكبير على الزراعة، ضعف البنية التحتية، والقيود المفروضة على الاستثمار، كلها عوامل تحد من فرص العمل في المنطقتين.
شبكات التهريب تنشط
يصل يوميًا عشرات الأشخاص إلى لبنان عبر شبكات التهريب، التي تتولى نقلهم من منطقة إلى أخرى حتى وصولهم إلى بيروت.
مسؤول في إحدى هذه الشبكات، أكد لعنب بلدي أن عشرات الأشخاص يتوجهون إليه يوميًا بهدف الوصول إلى لبنان بحثًا عن فرص عمل. وأوضح أن العملية تتطلب تنسيقًا دقيقًا، خاصةً لتأمين عبورهم من مناطق سيطرة "قسد".
تكلفة التهريب انخفضت مقارنة بالفترات السابقة، حيث كانت تصل إلى 1000 دولار أمريكي للفرد بسبب الإتاوات التي كان يفرضها النظام السوري. أما اليوم، فتتراوح التكلفة بين 600 و650 دولارًا أمريكيًا، تذهب غالبيتها لتأمين المرور من مناطق سيطرة "قسد".
إمكانيات محدودة ومطالب متزايدة
زياد ملكي، المتحدث باسم المجلس المحلي في رأس العين، أكد أن المجلس عمل على توفير فرص عمل للسكان ضمن الإمكانيات المتاحة، حيث تم توفير حوالي 800 وظيفة في قطاع الخدمات والإدارة، و1300 وظيفة في قطاع التعليم، بالإضافة إلى أكثر من 1000 وظيفة في الشرطة المدنية.
وأضاف أن المجلس يقدم دعمًا ماليًا شهريًا لنحو 100 شخص من الأيتام وذوي الإعاقة، بالإضافة إلى دعم مالي لـ 1500 شخص من سكان ريف رأس العين.
ومع ذلك، أكد ملكي أن قدرات المجلس محدودة، وأن غياب المنظمات الداعمة يزيد من صعوبة الاستجابة لاحتياجات السكان.
تقع رأس العين وتل أبيض على الحدود التركية، وتسيطر عليهما الحكومة السورية، وتحيط بهما جبهات القتال مع "قسد".